نشرت إحدى الصحف المحلية أمس تقريرا حول نسب تملك المسكن في دول العالم، وبين التقرير المنشور أن نسبة تملك السعوديين مساكنهم وصلت إلى 62 في المائة خلال 2011، وأن السعوديين بتلك النسبة قد تفوقوا على عدد من دول أوروبا وشرق آسيا! وهي نسبة قريبة من تلك التي صرح بها وزير الاقتصاد والتخطيط السابق عام 2014 بقوله "إنها تصل إلى 60 في المائة". لنتجاهل في هذا المسار ما بينه تقرير صندوق النقد الدولي عام 2014 حول الاقتصاد السعودي، حينما ذكر أنها لا تتجاوز 36 في المائة، علما أن الصندوق يستقي جميع بيانات تقاريره عن الجهات الرسمية في البلدان، التي يقوم بإعدادها سنويا حول اقتصاداتها، بما فيها السعودية كدولة عضو في صندوق النقد الدولي، ولنتجاهل أيضا هذا التضارب الكبير بين البيانات والإحصاءات الرسمية، علما أن التضارب لا يقف عند هذه النسبة، إذ تتسع دائرته لتشمل عديدا من المؤشرات والإحصاءات المهمة، خاصة تلك التي تصب أهميتها في الجوانب التنموية الملحة. الهدف من تجاهل ذلك التضارب، والقيام من ثم بإسقاط تلك النسبة 62 في المائة على بيانات 2011 وصولا إلى عام 2014، للتعرف على حقيقة أزمة الإسكان لدينا، التي يئن منها أغلب السعوديين! فوفقا لبيانات 2011 بلغ عدد الوحدات السكنية 5.03 مليون وحدة سكنية، ووصل عدد المساكن المشغولة أكثر من 4.8 مليون وحدة سكنية "3.1 مليون سعوديون، 1.7 مليون غير سعوديين"، أي إن عدد المساكن الشاغرة بلغ 191 ألف وحدة سكنية. وبموجب هذه النسبة المذكورة في التقرير، فإن النسبة المتممة لها 38 في المائة، تعني عدد السعوديين المستأجرين مساكنهم يصل عددهم إلى 1.19 مليون سعودي "وفقا لنسبة تقرير صندوق النقد الدولي، يقدر أن يصل عدد المستأجرين لنحو 2.0 مليون سعودي". أما بإسقاط تلك النسبة على 2014، التي تبين الإحصاءات أن عدد الوحدات السكنية بلغ أعلى من 5.9 مليون وحدة سكنية، وعدد المساكن المشغولة نحو 5.4 مليون وحدة سكنية "3.5 مليون سعوديون، 1.9 مليون غير سعوديين"، ليصبح عدد المساكن الشاغرة نحو 559 ألف وحدة سكنية. وبأخذ النسبة المتممة لنسبة ملكية المساكن الممثلة بنسبة المستأجرين 38 في المائة، فإن عددهم من السعوديين يصل إلى 1.32 مليون سعودي "وفقا لنسبة تقرير صندوق النقد الدولي، يقدر أن يصل عدد المستأجرين لأعلى من 2.22 مليون سعودي". الآن أطرح الأسئلة التالية: (1) إذا كانت تلك النسبة متدنية بهذه الصورة؛ فلماذا لم تتمكن وزارة الإسكان طوال الفترة 2011 ــ 2015 من المساهمة في حل 10 في المائة من أزمة الإسكان على أقل تقدير؟! (2) لماذا قياسا على تلك البيانات التي تتفوق على كثير من الدول، تبرز أزمة إسكان بهذا الوضع المعقد اقتصاديا واجتماعيا إلى الحدود التي جعلت أي خبر عن الإسكان أو وزارة الإسكان، مهما كان حجمه، يتقدم الأخبار والعناوين الرئيسة للصحف ووسائل الإعلام؟ هل الخلل في تلك البيانات أم في الملايين من السعوديين؟ (3) بمقارنة عدد الوحدات السكنية لعامي 2011 و2014، فإن الزيادة في أعدادها وصلت إلى نحو 909 آلاف وحدة سكنية، مقابل زيادة المساكن المشغولة بنحو 541 ألف وحدة سكنية، ما يعني أن الزيادة في المساكن تفوق زيادة السكان، وأن رصيد شواغر المساكن قد وصل خلال الفترة إلى نحو 559 ألف وحدة سكنية "يقدر أن يتجاوز العام الجاري 800 ألف وحدة سكنية، علما أن بيانات مصلحة الإحصاءات أشارت في تعدادها للسكان والمساكن 2010 إلى أن المساكن الشاغرة تجاوزت 1.0 مليون وحدة سكنية"، ألا تعني تلك البيانات المؤكدة رسميا أن أزمة الإسكان لم تنشأ من شح في الأراضي ولا في المساكن، بقدر ما أنها نشأت عن عدم قدرة السكان من الأصل على تملكها؟ ولعل البحث عن إجابة السؤال: من يمتلك تلك المساكن الشاغرة (الفائضة)؟ ولماذا لم يستطع السكان تملكها؟ هل الغلاء الفاحش في أسعارها وراء هذا العجز من السكان؟ (4) إذا كانت البيانات والإحصاءات أعلاه، تشير إلى أن أزمة الإسكان مفتعلة، ويبدو ألا أحد حقيقة يئن أو يعاني منها، أفلا يعد تخصيص 250 مليار ريال لأجل حلها هدرا للجهود والأموال؟ ألا يجدر أن يتحول دور وزارة الإسكان والحال كما تصفه تلك البيانات، إلى وزارة تعنى فقط بالأسر الفقيرة التي لا تستطيع فعليا تملك مسكنها؟ (5) ألا يجدر بوزارة الإسكان بعد هذه "الحقائق" كما تقول تلك البيانات أعلاه، أن تعدل خططها وبرامجها كافة، وفي مقدمة تلك التعديلات اللازمة ألا تغامر بالشراكة مع القطاع الخاص توفيرا للجهود والأموال العامة، فكما يبدو من البيانات أعلاه، أن الجميع بالغ كثيرا في تضخيم أزمة الإسكان، وأن في قدرة القطاع الخاص تلبية متطلبات أفراد المجتمع من المساكن، دون أي تدخل من أي جهة حكومية كانت؟ (6) أليس لافتا جدا أن يروج لمثل تلك البيانات في مختلف وسائل الإعلام، وكأنها حقائق لا يخالطها شك، ثم نرى تحركا مناقضا تماما لها من قبل الأجهزة المعنية بأزمة الإسكان، هذا إن كانت حتى قضية تنموية تقليدية، دع عنك القول إنها أزمة أو ما شابه ذلك؟ ختاما؛ يتأكد لنا يوما بعد يوم، أن السبب وراء تفاقم أزمة الإسكان، وتحولها إلى ما هي عليه الآن كشبح يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني بكافة أبعاد تلك الجوانب وغيرها، لا يقف فقط عند تناقض البيانات أو تضاربها، ولا يقف عند غياب القدرة على تحقيق مجرد خطوات على طريق الحل، بل إن "السبب الحقيقي" يسبق كل ذلك برمته بمسافات طويلة جدا، فهو كما يبدو يوضح بجلاء أن الجهاز التنفيذي المناط به مسؤولية التعامل مع الأزمة، يفتقر إلى قدرة تشخيصها وفهمها أولا، ويفتقر بالتالي إلى القدرة على معالجتها كنتيجة حتمية ثانيا، فلا يمكن على سبيل المثال لأعظم مهندس معماري أن ينجح في إجراء عملية قلب مفتوح، والعكس أيضا صحيح؛ لن يستطيع أعظم جراح قلب أن يصمم برجا سكنيا. ولن يبقى السؤال عند: ما نسبة تملك السعوديين مساكنهم؟ بقدر ما إنه متى سيتملك أغلبهم مساكنهم؟ والله ولي التوفيق. نقلا عن الإقتصادية