قصيرو النظر أوهموا وما زالوا يوهمون المجتمع بأن قضية حوادث السيارات بما تسببه من مآسٍ إنسانية ممثلة في القتلى والمصابين (كثير منهم معاقون) أسبابها تتركز في عنصرين أو ثلاثة من المخالفات ويركّزون أكثر على حكاية السرعة وقطع الإشارة وأنه في حالة ضبط تلك المخالفات ستقلّ نسبة الحوادث وستسحب معها المؤشّر للأسفل (كما في حال سوق الأسهم) ولكن هذا التجهيل غير صحيح. ربما نتفق على مشاركة عنصر (تجاوز السرعات المقررة) في التسبب مع عناصر أخرى في وقوع الحوادث وأكيد في تفاقم نتائجها. لكن حين يُقال (السرعة) فقط أو (قطع الإشارة) فقط فالواقع يثبت عكس ذلك تماماً. إليكم الدليل: هل الإيقاع العام لسرعة السيارات في بلادنا سواء داخل المدن أو خارجها سريع أم بطيء؟ لا أحد يُنكر أن النمط العام في حياتنا كسعوديين يغلب عليه الاستعجال والسرعة في كل شيء، لا شيء يسير في هدوء، حتى الذهاب للمساجد الذي يفترض فيه السكينة والخشوع يقولون "نلحق على الصلاة ". في الأكل سرعة، في محطات الوقود الناس كأنها تقف على جمر، في الطوابير الكل مستعجل، عند الخباز والبقّال وركوب الحافلات ولاسيما في المطارات أو حتى على سلّم الطائرة يود كل فرد الوصول قبل غيره حتى ولو كان بغير وجه حق. إذاً من باب أولى أن ينقل الناس ذلك النمط المستعجل إلى قيادة السيارة إذ من النادر رؤية من يتقيّد بالسرعات القانونية من ذات نفسه وخاصة على الطرق الطويلة الرابطة بين المناطق والمدن. الأمر ليس بالشيء الطارئ حتى يقال برزت لدينا سمة سلبية ونحن بصدد معالجتها ليركضوا (برجلهم وخيلهم) وفي غفلة من الناس فيستوردون لنا آلة أسموها(ساهر) طبّقها غيرنا بعدل وإفصاح وطبّقت لدينا بإجحاف وخفية. وحتى (ساهر) ذاته لم يعسف المتهورين كجياد جامحة على الهدوء ولم يؤثر إيجاباً في المؤشر إذ لازالت المقابر تقول (هل من مزيد)! الحد من حوادث السيارات (مصفوفة) عمل مترابطة ذات تفاصيل كثيرة وأبعاد ربما غابت عن الأذهان لهذا سأحاول الإشارة إلى عناصر تلك المصفوفة في أكثر من مقال أبدأها برجل المرور ذلك الضابط القانوني لسلوك قائد السيارة حالما يخرج من بيته ويجلس خلف المقود فمع كل الاحترام لشخوص من يعمل في هذا الحقل الشاق أقول أصبح الاهتمام في كل شيء عدا العمل المروري الجاد والمنظّم وليس هذا حُكماً صادرًا من فرد عمل في الجهاز ويعرف الخبايا بل حتى رأي رجل الشارع البسيط إذا يرى عناصر رسمية (هذا إن تواجدت) مشغولة بأشياء أخرى غير حركة السيارات ومراقبة سلوك السائقين والتدخل السريع في حال انتهاك قانون المرور. انتهت المساحة المُتاحة أكمل المصفوفة في مقالات قادمة. إلى اللقاء. لمراسلة الكاتب: aalkeaid@alriyadh.net