×
محافظة مكة المكرمة

«البيك» تختتم برنامجها الصيفي للعام الـ 14 على التوالي

صورة الخبر

الخليجيون محبون للأسفار، بطبيعتهم، هكذا كانوا في الماضي -قبل البترول- وهكذا هم في الحاضر مع اختلاف الدوافع، كانوا في الماضي يرحلون بدوافع من التجارة وتحسين الظروف الاقتصادية، وبدوافع المصاهرة وتوثيق العلاقات مع الجوار ومع الآخر، وهم اليوم يرحلون بدوافع أخرى، هروباً من الحر الخانق، واستغلالاً لموسم الإجازات، واستجماماً وترويحاً للنفس، وكسراً لروتين الحياة اليومي الممل، وتسلية لأفراد الأسرة، واكتساب معارف وثقافات وتجارب وخبرات، وإنشاء علاقات وصداقات، وسعياً للحركة والنشاط والانطلاق والحريّة، والحق في التمتع بالخصوصيات، إلى غير ذلك من أهداف إيجابية تعود بمنافع عديدة سواء على أفراد الأسرة، في تنمية شخصياتهم واعتمادهم على ذواتهم وتحملهم للمسؤولية وسعة أفقهم في التفكير والقدرة على اتخاذ القرارات، إضافة إلى تعميق قبول الآخر وروح التسامح في نفوسهم، مما يحصنهم من أمراض الكراهية والتطرف، أو على مجتمعاتهم، انتفاحاً ورقياً وازدهارا، ومن اجل هذه المعاني وغيرها، يأمرنا القرآن الكريم بالضرب في الأرض والسير فيها، ابتغاء فضل الله تعالى والتعرف على أنماط أخرى في الثقافة وفي الحياة والمعيشة، غير تلك التي ألفها الفرد في ظل تقاليد مجتمعه، وغير تلك المواريث الثقافية التي تشربها -تلقائياً- في حضن أسرته ومحيط بيئته، فالإنسان ابن بيئته وتربيته، لا يتطور إلا بالثقافة والترحال والاطلاع على ما عند الآخرين والإفادة منها، ومن أجل كل هذا، خلقنا المولى تعالى مختلفين في: الخصائص والسمات والطبائع والعقول والبيئات والثقافات لنتعارف ونفيد من بعضنا بعضاً، لنعمر الأرض ونرتقي عبر التنافس الخلاق وكل هذا هو المقصود في قوله تعالى (ةوجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا فهذه الكلمة لتعارفوا إعجازية لأنها تشمل كافة أنواع التواصل بين البشر في الماضي والحاضر والمستقبل. كانت هذه المقدمة في أهمية الفرد وإيجابياته، تمهيداً للحديث حول ما أثير مؤخراً عبر المواقع الاجتماعية والصحف والفضائيات العربيّة والدولية، من سلوكيات سلبية لسواح خليجيين، في بعض الدول الأوروبية، لاقت ردود فعل مستهجنة وغاضبة، وتمثلت هذه التصرفات المسيئة في مظاهر عديدة، منها: ضخامة المخالفات المرورية وتراكم الغرامات الكبيرة على الذين اصطحبوا سياراتهم الفارهة للتباهي والاستعراض والسلوكيات الطائشة، يقفون في الممنوع ولا يتقيدون بإشارات، ويدورون في الأحياء السكنية، ليل نهار، رافعين صوت الموسيقى في إزعاج لمجتمعات ألفت الهدوء والسكينة، وهناك من لا يهتم بالمحافظة على البيئة وعلى نظافة الحدائق والمنتزهات، يفترشونها، يطبخون ويشوون ويتركون المخلفات، ويلحقون أضراراً بممتلكات عامة، إلى غير ذلك من السلوكيات التي لا تبالي بحقوق الغير ولا بحقوق البيئة من شجر وحيوان وطير، ولا تهتم بمراعاة الذوق العام والمحافظة على النظام العام لهذه المجتمعات التي تعد، هذه الأمور، عندها من المقدسات! وبالرغم من أن هذا السلوكيات، لأفراد قلة -00001 من إجمالي 10 ملايين سائح خليجي- ولا تشكل بأي حال ظاهرة مقارنة بإجمالي سلوكيات غالبية السياح الخليجيين الذين يمتازون بـ ثقافة سياحية راقية ويجدون ترحيباً استثنائياً لدى مختلف الجهات والمقاصد السياحية، إلا أنه من الأهمية ان تشغلنا، وتشغل كافة الهيئات والأجهزة المسؤولة عن رعاية وتوجيه وتثقيف الشباب، لست من أنصار المبالغة في تضخيم هذه السلبيات، بالرغم من أن أصحابها، يريدون بتصويرها وترويجها بشكل كثيف، أهدافاً دعائية وإعلامية. إلا أنه يتوجب علينا، الاهتمام بهذه السلوكيات المسيئة، بهدف تشخيصها واقتراح الحلول المناسبة لها. يمكن تلخيص العوامل الكامنة وراء هذه المظاهر السلبية ومن خلال العديد من المقالات التي شخصتها، فيما يأتي: 1- افتقاد القدوة التربوية الصالحة: فالأدب والتربية واللياقة وحسن التصرف والاحترام، يتعلمها الإنسان من أسرته، أولاً، وعلى أيدي المربين الأوائل: الوالدان، فإذا لم نتلق أبجديات أدب التعامل والذوق والسلوك من المنبع الأول فالنتيجة ستكون حتماً فرداً غير سوي، سلوكياً، الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان. 2- ضعف الوازع الديني والأخلاقي والاجتماعي الذي يحذر صاحبه من تجاوز النظام، كأمر معيب: خلقاً وديناً ومجتمعاً، ويسيء إليه وإلى أسرته. 3- افتقاد برامج للتوعية بـ ثقافة السياحة تشمل التعرف على قوانين وأنظمة تلك البلاد، والنصائح والإرشادات اللازمة في السفر، وهذه مهمة وزارات الخارجية بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية المختلفة. 4- ضعف التوعية بالمحافظة على البيئة واحترام الحدائق والمنتزهات والذي يجب أن يغرس في نفوس الأطفال في المدارس. 5- غياب الردع: لم أسمع في مجتمعنا الخليجي، ردعاً لمن أتلف شجرة أو اصطاد طيراً أو أفسد حديقة وأشعل ناراً فيها -الكاتب محمد اليامي- ويضيف الكاتب السعودي عادل المسعود: أن ما يفعله هؤلاء في تلك المنتزهات والحدائق، ما هو إلا امتداد لسلوكيات اعتادوا عليها في داخل بلادهم -من دون محاسبة- يتصرفون وكأنهم في جبال عسير أو في منتزهات الثمامة أو كشتة على طريق القصيم. 6- الهوس بالشهرة والمهايطة والتفاخر: والتسابق عبر المواقع الاجتماعية ليكون الأكثر إثارة ومتابعة، وهذا جزء من سلوك استهلاكي مظهري عام أجوف ساعد على تكريسه وانتشاره النمط الاقتصادي الريعي الخليجي الذي يجسد قاعدة مغانم بلا مغارم. ختاماً: هذه أبرز العوامل التي قد تدفع البعض إلى تلك التجاوزات، وأتصور أنه يمكن معالجتها أو تحجيمها إذا قامت أجهزة دولنا بمسؤولياتها في التربية والتوعية والتثقيف والردع. هناك من يطالب بإجراءات عقابية رادعة ضد المسيئين، المتسببين في تشويه صورة الخليجيين، لكنى لا أراه علاجاً صائباً، أما الغرامات المرورية للمخالفين المتهربين، فيحب تحصيلها منهم بعد عودتهم، وعلى دولنا وسفاراتنا هناك عدم التساهل فيها.