ضمن روزنامة الصيف الساخن التي بدأنا الحديث عنها الأسبوع الماضي، خرجت إيران بنصف دور، تتطلّع من خلاله إلى إعادة هيكلة علاقاتها بدول الإقليم، وفي قلبها دول مجلس التعاون الخليجي، وبنصف قنبلة تتطلّع إلى استكمالها باعتبارها أداة الفوز بكل الدور. وضمن ذات الروزنامة أشرنا إلى تحولات هيكلية، ومناورات سياسية تجري بالسيف، وبالدم أحيانًا فوق الأراضي التركية، بفعل صراع داخلي انتقلت معاركه فوق أراضي المنطقة في سوريا بصفة خاصة، وفي العراق أيضًا، تعقبًا لهاجس دولة كردية محتملة قد تقتطع بقيامها جزءًا من تركيا الأم. طبقًا لتصورات وخطط حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، فقد أوشكت أنقرة على ترسيخ النموذج التركي، وسعت لنقله إلى الجوار، سواء بذاته، أو بنجاحاته، أو بسطوة القوة عنده، إلى أن داهمت كوابيس صناديق الاقتراع، أحلام أردوغان في تعديل الدستور، وتوسيع صلاحياته كرئيس «تنفيذي» للحلم التركي. برغم فوز حزب أردوغان بالأكثرية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، إلاّ أن حزبه الذي كان يمني النفس بفوز عريض، قد خسر حتى الأغلبية المطلقة (نصف مقاعد البرلمان + مقعد واحد)، وعمق جراحه صعود أول حزب كردي إلى البرلمان لأول مرة في التاريخ السياسي التركي منذ أتاتورك، وبدا أن تركيا على مشارف صيف لاهب، ربما يعقبه خريف عاصف يُمهِّد المسرح السياسي التركي لشتاء شديد البرودة. وأذكر أنني في حوار مع إعلاميين مصريين، ضم دبلوماسيًّا مصريًّا كبيرًا، عقب إعلان نتائج الانتخابات التركية، توقعت أن يخفق حزب العدالة والتنمية التركي في بناء حكومة ائتلافية مع أيٍّ من منافسيه، وقلت بالحرف الواحد: «لو كنت مكان أردوغان سأسعى إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بهدف استعادة السيطرة على البرلمان، وسأعمل، بكل الوسائل، من الآن، وحتى موعد الانتخابات المقبلة، على تهيئة الناخبين، للتصويت إلى جانبي هذه المرة». أربعة مسارح عمليات محتملة، يسهم تسخين أيٍّ منها، في تحريك الداخل التركي، وإثارة مخاوفه من تراجع الاقتصاد وعودة شبح سنوات الكساد التركي الطويل، أهمها بالنسبة لأردوغان هو مسرح سوريا، ثم في الداخل المواجهة مع قوتين -يمثلان المسرحين الثاني والثالث- الأولى الأكراد الذين عرفوا كيف يتحولون بالانتخابات الأخيرة من السلاح إلى السياسة، والثانية مع «داعش» التي قيل إن أنقرة لم يكن لديها الوقت وربما الاهتمام بخوض المواجهة معها، أمّا المسرح الرابع فمع أكراد الجوار العراقي. كل سخونة في مؤشرات الأمن، تستدعي معها صقيعًا في مؤشرات الاقتصاد، ومع أن سخونة الإقليم كله كانت ترشح السياحة في تركيا أن تكون وجهة بديلة لسياح الإقليم والعالم، إلاّ أن سخونة مسارح العنف الأربعة السابقة، واشتعال الداخل التركي، قد استدعى المخاوف والهواجس لدى ناخب تركي اعتاد طوال العقد الماضي، على نمط أكثر رخاءً ورفاهية، وبات انزعاجه مصدر طمأنينة لدى حزب أردوغان ورجاله الذين قدموا أنفسهم طوال الوقت باعتبارهم صناع النجاح، ويقدمون أنفسهم مجددًا الآن باعتبارهم «المُخَلّصين» بضم الميم وفتح الخاء. الآن ثبتت الرؤية.. وتلقيت تهنئة هاتفية من الصديق الدبلوماسي المصري الكبير، على صدق ما توقعته صبيحة إعلان نتائج الانتخابات التركية الأخيرة، وتقرر إجراء انتخابات مبكرة في تركيا في شهر نوفمبر المقبل، وبدأ أحمد داوود أوغلو مشاوراته لتشكيل حكومة انتقالية من كافة الأحزاب تشرف على الانتخابات المقبلة، ولكن.. هل يُغيِّر الأتراك طريقتهم في التصويت؟! هل يدفعهم الخوف من المجهول إلى التصويت للمعلوم والمجرب؟! هذا السؤال يحمل بدوره همًّا إضافيًّا إلى هموم الجوار التركي، والإقليم كله، فمؤشر التصويت تُحرِّكه المخاوف، التي تُحرِّكها الأخطار المحيطة، ما قد يعني تورطًا تركيًّا أعمق في ملفات أكثر سخونة، بدا أن أقربها هو ملف التعامل مع داعش داخل الأراضي السورية أو العراقية، مع كل تداعيات هذا التعامل على ملفات أخرى بينها ملف أكراد تركيا الآخذ في الاشتعال. مقدار السخونة في الملف الأمني التركي، سيقرر مقدار ما قد يناله أو يخسره حزب أردوغان في انتخابات مبكرة مازال يظنها ملاذه الأخير.. تابعوا مؤشرات التسخين والتبريد في تركيا حتى شهر نوفمبر المقبل، وترقبوا خريفًا عاصفًا في الإقليم، وشتاءً شديد البرودة في تركيا. moneammostafa@gmail.com