لا يختلف متابعو القضية السورية على أنها تمر بمرحلة حرجة، ربما هي الأخطر منذ قيام الثورة في مارس (آذار) 2011، إذ تؤكد معطياتها ضعف المعارضة ومحدودية قدراتها، ونمو التطرف الديني والقومي، وانتشار القتل والدمار والتهجير، والتي تنعكس بصورة سلبية من النواحي السياسية والعسكرية والإغاثية في الداخل وفي بلدان اللجوء السوري، وهو وضع يسير بالتوازي مع «تحسن نسبي» في وضع النظام من خلال دعم قوي وفعال من حلفائه، ولا سيما روسيا وإيران وحزب الله، يجسده قتالهم المباشر معه على الأراضي السورية ودعمه سياسيا في المحافل الدولية، في ظل تراخي المجتمع الدولي ضد سياسات وممارسات النظام، الذي صنف قبل سنوات طويلة بين الدول الداعمة للإرهاب، قبل أن يغرق في ممارسة الإرهاب عبر أبشع أشكاله ضد السوريين منذ أكثر من عامين ونصف العام. وسط تلك الصورة التي تحيط بسوريا والسوريين، يبدو من الأهمية بمكان، صعود صوت سوري، يفتح بوابات الأمل التي لن تغلقها أي وقائع بعد كل التضحيات التي قدمها السوريون، والإصرار المتواصل على سيرهم نحو الحرية والكرامة، بما هي أهداف الثورة الأولى، التي أطلقتها حناجر الشباب والأطفال والنساء. بل إن ذلك الصوت يذهب إلى الأبعد من ذلك في أمرين؛ أولهما ضرورة «عقد مؤتمر وطني عام، يضم كافة أطراف المعارضة السورية، بقواها السياسية والعسكرية الملتزمة بأهداف الثورة، ومساهمة منظمات العمل المدني، لصياغة أجندة عمل وطنية للمرحلة المقبلة»، والثاني تأكيد «أن خيار المعارضة والشعب السوري، كان - ولا يزال - حلا سياسيا حقيقيا للأزمة، يفضي إلى تفكيك سلطة الاستبداد، وتنحية جميع رموزها وضمان انتقال سلمي للسلطة». ويضيف الصوت السوري، الذي عبر عنه مؤتمر «كلنا سوريون» في دورته الثانية في إسطنبول أخيرا، إشارته الإيجابية إلى تحولين شهدتهما ساحة المعارضة السورية أخيرا؛ أولهما انضمام «المجلس الوطني الكردي» إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة، ودعوة الأخير لضم القوى الأخرى من المعارضة على طريق توحيدها وتقويتها لتعزيز قدرتها لإنجاز مهمتها في تغيير النظام وإقامة بديل يستجيب لأهداف ثورة السوريين ووضع حد لمعاناتهم، التي تجاوزت في العمق أي كارثة هزت العالم في التاريخ المعاصر. والتحول الثاني تشكيل الحكومة السورية المؤقتة، التي من أول اهتمامها صياغة وتنفيذ خطط في مجال الخدمات والتنمية والإغاثة، تخرج بالسوريين مما أوقعهم النظام فيه بفعل سياسة القتل والتدمير التي ما زال يمارسها تحت سمع المجتمع الدولي وبصره دون أي موانع أو عوائق جدية. لقد بدا لافتا للنظر ومهما، ارتفاع صوت «كلنا سوريون» لتأكيد حقائق كادت تضيع وسط أصوات الصراع المسلح وفي زحمة الكلام عن القضية السورية وتطوراتها وروابطها وتشابكاتها مع قضايا أخرى لا ترتقي إلى أهميتها، وإن كانت ذات صلة بالقضية السورية مثل الملف الكيماوي لنظام الأسد، وملف إيران النووي، والانتشار الإيراني في المنطقة، والتشدد الروسي في دعم النظام القائم في دمشق. إن بين الحقائق التي أشار إليها المؤتمر مطالبة السوريين بـ«ضرورة الوقوف في وجه الخطر الذي يزداد يوما بعد يوم، داخل جسد المجتمع السوري، المتمثل بالتنظيمات الدينية المتطرفة، مهما كان اصطفافها، طالما تخدم أجندات غير وطنية، وسلاحها لا يخدم أهداف الثورة»، وإشارته الأخرى «إلى خطورة الطروحات والمخططات التي تهدف إلى تقسيم سوريا» وتأكيده «أن سوريا الموحدة أرضا وشعبا، هي الخيار الوطني الذي لا حياد عنه، وهو الضامن لوصول ثورة شعبنا إلى أهدافها في الحرية والكرامة وبناء دولة المواطنة، حيث الجميع متساوون بضمانة الدستور». في محصلة مؤتمر «كلنا سوريون» الثاني، أن صوتاً سورياً، أراد تأكيد رؤية شاملة للقضية السورية في واقعها وتطورها وصولا إلى المرحلة الراهنة بكل صعوباتها ومشاكلها، وهو في جانب آخر رسم ملامح تساعد في الخروج من المأزق الذي وصلت إليه القضية، دون أن يتخلى عن مواجهة التحديات المحيطة، ولا سيما في أمرين مهمين؛ أولهما: مواجهة نمو التطرف، وثانيهما: مشاريع تقسيم سوريا.