لم يعد تَحالُف «التيار الوطني الحر» (بقيادة العماد ميشال عون) و«حزب الله» يترك مجالاً واسعاً للاجتهاد حيال اتجاههما قدماً نحو قلب الستاتيكو الحكومي والسياسي القائم، ولو اختلفت التقديرات حول المدى الذي سيبلغانه وحجمه وطبيعة ما يدبّران له. وتعززت هذه الخلاصة أكثر فأكثر مع اتباع وزراء التيار والحزب وكذلك حليفيهما حزب «الطاشناق» وتيار «المردة» (بزعامة النائب سليمان فرنجية)، سياسة التصعيد جرعة إثر جرعة في وجه رئيس الحكومة تمام سلام والأفرقاء الآخرين في الحكومة، بحيث عمدوا أمس الى مقاطعة جلسة مجلس الوزراء بعدما كانوا انسحبوا من الجلسة السابقة الثلاثاء. وجاءت خطوة المقاطعة لتعكس قراراً تصعيدياً واضحاً كانت سبقته مؤشرات الى مضي هؤلاء الأفرقاء في سياسات التعطيل الحكومي وتَمثل أبرزها في ما كُشف عن رسائل نقلها مسؤول الارتباط والأمن في «حزب الله» وفيق صفا الى الرئيسين سلام ونبيه بري والنائب وليد جنبلاط، تضمنت تهديداً واضحاً بالنزول الى الشارع، ما لم تجر معالجة مطالب العماد عون. ولكن المفاجأة التي حصلت، امس، عززت الانطباعات والمعطيات التي تتخوف من الاتجاه التصعيدي لهذا الفريق، اذ كان يفترض أن يشارك وزراؤهم في الجلسة بعدما نجح الرئيس بري اول من امس في تسويق تسوية لأكثر من 70 مرسوماً عادياً كانت أصدرتها الحكومة وتحمل تواقيع 18 وزيراً من اصل 24 واعتبرها فريق عون منتهكة للشراكة لانها لم تصدر بإجماع الوزراء، علماً ان التسوية قضت بتجميد هذه المراسيم وإعادة النظر فيها. ومع ذلك فان الرئيس سلام فوجئ قبل ساعة من موعد انعقاد مجلس الوزراء باتصال من وزير الخارجية جبران باسيل، يبلغه فيه ان وزراء التيار والحزب سيقاطعون الجلسة، من منطلق موقف مبدئي وميثاقي، كما قاطع الجلسة وزيرا «الطاشناق» و«المردة». ولم تحل مقاطعة الوزراء الستة دون عقد الجلسة، الأمر الذي عكس بلوغ الواقع الحكومي درجة متقدمة جداً من السخونة. اذ ان الرئيس سلام والأفرقاء الآخرين في الحكومة أصروا على مواجهة التعطيل، بالمنطق الدستوري الذي دفعهم سابقاً الى إصدار مراسيم اقترنت بتواقيع اكثرية الوزراء لا جميعهم. واذ شكل حضور 18 وزيراً بمن فيهم وزراء الرئيس بري للجلسة، امس، مفاجأة أخرى لكثيرين كانوا يتوقعون ان يرجئ سلام انعقاد مجلس الوزراء، فان معطيات غامضة سرت حول أسباب المضي في الجلسة وسط الخشية من إثارتها تداعيات اضافية تصعيدية. وتحدثت معلومات عن ان ما جرى بين المقاطعة وانعقاد الجلسة لم يكن بعيداً جداً من سيناريو حبكته الاتصالات والمشاورات التي تلاحقت في اليومين الأخيرين، بحيث يحفظ الفريق المقاطع حقه في التحفظ والرفض للقرارات الحكومية، فيما تمرر الحكومة القرارات الملحة والعاجلة كتلك التي طُرحت امس على جدول الأعمال. وعزت أوساط واسعة الاطلاع عبر «الراي» مقاطعة الوزراء الستة للجلسة الى اعتبار أساسي هو الإحراج الكبير الذي كان يواجههم في حال حضورهم الجلسة من دون الموافقة على قرارات حيوية اساسية تعني اللبنانيين، مثل موضوع تأمين تمويل الرواتب للعاملين في القطاع العام او إعطاء وزارة المال التفويض الملحّ لاصدار سندات خزينة أو تأمين متطالبات عاجلة للجيش اللبناني في تمويل نفقاته اللوجستية الى جانب استكمال البحث في أزمة النفايات، وهي الملفات التي كانت في مقدم جدول اعمال الجلسة والتي تم إقرارها. وبازاء الاطار الاضطراري لإقرارها فإن الوزراء الستة قرروا المقاطعة تحت ذريعة الاعتراض على نهج التفرد الذي ادى الى نشر المراسيم السابقة. ولكن في اعتقاد الاوساط فان الفريق المقاطع تهرّب من الإحراج من جهة، وحفظ لنفسه هامش إبقاء الباب مفتوحاً على التسوية التي تم التوصل اليها، اول من امس، في شأن تجميد المراسيم بحيث يمكن في حال وجود قرار بالتسهيل المضي لاحقاً في التسوية بعد ان تعاد المراسيم والقرارات بما فيها التي اتخذتها الحكومة امس الى الوزراء المقاطعين لتوقيعها. وبذلك تكون جلسة الامس بمثابة ربْط نزاع بين الفريقين الحكومييْن العريضيْن الى ان تتبلور الاتجاهات المقبلة خلال الساعات والايام القليلة الآتية. وفي حين أبرزت الاوساط الاهمية الكبيرة التي اكتسبها قرار الرئيس سلام في عقد الجلسة رغم مقاطعتها من الوزراء الستة، لجهة دلالاتها حيال إصراره على مواجهة سياسات التعطيل، فانها لم تخف خشيتها من امكانات التصعيد المحتملة من خلال ركوب الفريق العوني و«حزب الله» مركب التظاهرات التي تشهدها بيروت للدفع بالضغوط على الحكومة الى ذروتها. وهو امر بات يثير الكثير من التساؤلات المريبة عما اذا كان وراء استغلال التحرك المطلبي والاحتجاجي اجندة ما لدى الحزب والتيار يندفعان اليها تدريجياً. ومن هنا تتجه الأنظار الى المؤتمر الصحافي الذي يعقده العماد عون اليوم عشية التظاهرة الجديدة التي دعت اليها حملة «طلعت ريحتكم» غداً وهذه المرة في ساحة الشهداء في وسط بيروت وليس في ساحة رياض الصلح المجاورة، وذلك في سياق محاولة تفادي تكرار الاحتكاكات مع القوى الامنية المولجة حماية السرايا الحكومية والبرلمان، وهي الاحتكاكات التي فجّرت يوميْ السبت والاحد خصوصاً مواجهات دامية وأعمال شغب خطيرة. وبات واضحاً ان «التيار الحر» سيشارك في تظاهرة السبت، وسط مخاوف من ان يكون مجمل الحِراك المطلبي الذي تفجّر على خلفية أزمة النفايات وسرعان ما تبنى أجندة سياسية تقوم على «إسقاط الحكومة وحلّ البرلمان وإسقاط النظام»، اضافة الى ما يواكبه من مظاهر فوضوية أشبه بـ «مينى 7 مايو» (في اشارة الى أحداث 7 مايو 2008 التي هاجم فيها «حزب الله» بيروت والجبل) متدرّج في سياق سيناريوات غامضة تراوح بين الضغط لانتخاب رئيس للجمهورية «على الحامي» أو دفع الأمور الى فوضى شاملة تقود الى مؤتمر تأسيسي. على أن الأبرز في هذا الإطار كان ارتسام علامات استفهام حول الموقف الاميركي مما يجري في لبنان، وهو ما عبّر عنه النائب مروان حماده اذ قال لصحيفة «النهار»: «إن المطلوب هو الفوضى إيرانياً ومسموح بالفوضى أميركياً»، فيما كان يُنقل عن مسؤول بارز انزعاجاً من كثرة نصائح السفراء الأجانب وبينهم منسّقة الامم المتحدة لدى لبنان سيغريد كاغ حول ضرورة معالجة الملفات المعيشية المطروحة وأن تكون «الدولة ناشطة وتقدم الخدمات»، وذلك بعيداً من مراعاة وجود مَن يعطّلون عمل الحكومة. محاولات لتعبئة الجاليات في المهجر لدعم احتجاجات بيروت «طلعت ريحتكم»... في واشنطن | واشنطن - «الراي» | يستعد بعض اللبنانيين من المقيمين في العاصمة الأميركية للتظاهر غداً، أمام السفارة اللبنانية في واشنطن، تضامناً مع تظاهرات «طلعت ريحتكم» المندلعة في لبنان منذ نحو أسبوع. وفي السياق نفسه، تستعد الجالية اللبنانية في بعض عواصم العالم لتنظيم تظاهرات أمام السفارات اللبنانية تتزامن مع وقت اندلاعها في بيروت. وحتى الآن، وجه بعض اللبنانيين المغتربين دعوات للمشاركة في تظاهرات في واشنطن ولندن وباريس. ويذكر المنظّمون اللبنانيون في الولايات المتحدة، أن اثنين من أبرز المنظمين للتظاهرات في بيروت، الناشطين مروان معلوف ونزار غانم، سبق أن أمضيا وقتا في واشنطن أثناء تحصيلهما العلمي، وهما حاولا تحريك أصدقاء لهم في العاصمة الأميركية من أجل تعبئة الجالية اللبنانية الأميركية ودفعها إلى التظاهر. ووسط استمرار التظاهرات اللبنانية في بيروت، وربما بعض العواصم العالمية، حاولت «الراي» الوقوف على رأي بعض المسؤولين الأميركيين حول الوضع في لبنان، فكان لهم الملاحظات التالية: أولاً، تعتقد غالبية المسؤولين الأميركيين أن التظاهرات لن تتحول إلى حركة اعتراضية واسعة، وأنها ستنحصر في وسط بيروت، وأن أعداد المتظاهرين ستتناقص مع الوقت، وأن التظاهرات لن تؤثر في الوضع الأمني المستتب منذ شهور بفضل توافق إقليمي محلي على تحييد لبنان - إلى حد ما - عن تأثيرات المواجهات العسكرية المندلعة في سورية منذ العام 2011. ثانياً، قال المسؤولون الأميركيون إن موقف واشنطن هو تأييد استمرار رئيس الحكومة تمام سلام في منصبه، تفادياً للمزيد من الفراغ في السلطة التنفيذية في لبنان، وحضّ كل الأطراف على المزيد من الحوار وعلى حضور جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في مجلس النواب، لملء الفراغ الذي خلّفه خروج الرئيس السابق ميشال سليمان من الحكم، إثر انتهاء ولايته العام الماضي. ثالثاً، أكد المسؤولون ان واشنطن تؤيد انتخاب رئيس، ولكنها تقف على الحياد في عملية اختياره، وتعلن استعدادها التعامل مع أي رئيس يختاره اللبنانيون. واستبعد المسؤولون اللبنانيون أن تؤدي التظاهرات إلى أي ضغط، يحمل السياسيين على تغيير مواقفهم، لناحية انتخاب رئيس وإجراء انتخابات نيابية. وقالوا إنه حسب علمهم، فإن التظاهرات عفوية ولا تتمتع بتأييد أي من المجموعات السياسية اللبنانية التي تتمتع بوزن شعبي يذكر. واعتبر المسؤولون أن التظاهر حق مكفول في كل الدساتير والنظم الديموقراطية، ومنها اللبناني، ولا داعي للخروج عن الأعراف المعروفة التي ترعى هذا الحق. صحيح أن التظاهرات في أي بلد يمكن أن تتطور إلى مواجهات، ولكن من الحكمة تفادي التظاهرات العنيفة في منطقة مشبعة بالعنف ولا تحتاج إلى بؤرة مواجهة جديدة.