تُجرى الاختبارات والمقابلات الشخصية من أجل اختيار الشخص المناسب للموقع المناسب، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. لكن حتى في الظروف العادية، ومع افتراض تحقّق شرط النزاهة، فإن المقابلات الشخصية لا يعوَّل عليها كثيرا في تقييم قدرات الأشخاص. ولكي يترك المتسابق انطباعا حسنا أثناء المقابلة، ويحرز نتيجة جيدة، يُنصح بالتحضير للإجابة عن بعض الأسئلة المألوفة في مثل هذه المقابلات، والإحاطة ببعض المعلومات عن الشركة أو المؤسسة التي سيصبح من منسوبيها، واختيار الهندام المرتب الأنيق، والحضور في الوقت المحدد، والإصغاء إلى محدثه بشكل جيد، وعدم الإصرار على رأيه عند اختلاف الآراء، والحفاظ على روح الدعابة لتلطيف المزاج. لكن الاقتراح الأخير ليس مضمونا خصوصا حين يكون المسؤول عن المقابلة الشخصية محروما من حس الدعابة. مع ذلك، يمكن الاستغناء عن كل تلك الاستعدادات بمكالمة هاتفية من شخص مهم إلى مدير الإدارة. فعندما تدخل المحسوبية من الباب تخرج الجدارة والخبرة والتأهيل من النافذة. وفي هذه الحال قد تمنح الأفضلية لمن لا يستحقها لاعتبارات عائلية أو قبلية أو غيرها من الاعتبارات الأخرى، دون مراعاة للجدارة والكفاءة والتأهيل. إنها العصا السحرية التي ما أن تلامس الباب الموصد حتى ينفتح على مصراعيه. يتذكر أحدهم أقصر مقابلة شخصية شهدها في حياته. فقد أعلنت إحدى الشركات الكبيرة عن وجود وظائف شاغرة، وطلبت ممن تنطبق عليهم الشروط إرسال الوثائق المطلوبة، كما حددت يوما لإجراء المقابلات الشخصية. استعد صاحبنا لتلك المقابلة استعدادا جيدا، وقبل يوم من الموعد المحدد سافر بالقطار، ثم استأجر غرفة متواضعة في أحد الفنادق المتواضعة. وفي الصباح ذهب للقاء لجنة المقابلات الشخصية. سألوه: كيف حالك؟ قال: بخير. قالوا له: شكرا.. ثم صرفوه! سألهم: هذا كل شيء؟ قالوا له: نعم.. هذا كل شيء، وسوف تعلن النتائج خلال أسبوع.. نتمنى لك التوفيق. تبين لصاحبنا، فيما بعد، أن اللجنة حريصة على الانتهاء من تلك المقابلات على وجه السرعة. وفهم من أحد الزملاء المتسابقين أن مثل هذه المقابلات تندرج تحت عنوان ذرّ الرماد في العيون فالمرشحون لشغل الوظيفة قد تم اختيارهم مسبقا. يحلم كل متنافس بالفوز، وقد يصاب في حال الإخفاق بخيبة أمل، لكن خيبة الأمل تصبح أخف وطأة عندما يُمنح المنافس الأولوية وفق معايير عادلة ودقيقة، فينال الفرصة عن جدارة، إما لأنه أقدم أو لأن مؤهلاته أعلى وخبراته أوسع. لكن هذا الخلل ليس محصورا في المجال البيروقراطي وحده، بل يتجاوزه إلى كثير من الأنشطة الاجتماعية والثقافية. يقول أحد الظرفاء معلقا على معايير ترشيح بعض المؤسسات الثقافية لمن يمثل البلد في المؤتمرات واللقاءات التي تقام في الخارج: يتذكرونني، أحيانا، عندما يكون النشاط الثقافي في الداخل، وقد أُدْعى للمشاركة. أما حين يكون النشاط في جِنيف أو فِيينا مثلا فإنهم في الغالب لا يتذكرون إلا أصدقاءهم! لقد قيل الكثير في ذمّ المحسوبية، باعتبارها شكلا من أشكال الفساد الإداري، وعائقا من عوائق تحقيق الجودة والارتقاء بمستوى الأداء، وانحرافا عن جادة الأخلاق المهنية العالية. غير أنه من الصعب أن نتخيل عالما بلا محسوبية. لا يوجد مثل ذلك العالم إلا في أذهان أولئك المبشرين بالمدن الفاضلة. لكن نسب المحسوبية تتفاوت من مجتمع إلى آخر، ومن حيّزٍ بيروقراطي إلى آخر. وقد ترتفع تلك النسبة أو تنخفض في المحيط البيروقراطي وفقاً لرخاوة أو صرامة النظام الرقابي.