كان لمدينة بيروت طوال حروبها الأهلية المتقطعة بدءاً من العام 1975، خطوط تماس وأسلاك شائكة وحواجز وأكياس رمل، لكنها لم تعرف يوماً ما يسمى «الجدار»، جدار الفصل بين وبين... وها هو جدارها الأول ارتفع في قلبها ليوم واحد ثم أزيل، مع أنه لم يكن ليفصل بين أهلها، بل بين ساحة رياض الصلح، ساحة المتظاهرين والسراي أو قصر الحكومة. هذا الجدار الذي لم يكن طائفياً ولا سياسياً، بل جداراً أمنياً هدفه فصل المتظاهرين، لا سيما «المندسين» منهم، عن القصر الحكومي وما يمثل من رموز. إلا أن المتظاهرين سرعان ما حولوا الجدار خلال 24 ساعة إلى فسحة للرسم والغرافيتي وكتابة الشعارات، فأضحى أشبه بلوحة عريضة تمتد نحو ثلاثين متراً... وانبرى رسامون معارضون ومحتجون يملأون أجزاءً منه برسوم الغرافيتي الطريفة والساخرة التي رافقت الربيع العربي والثورات في مدن عدة، بخاصة القاهرة التي تفردت بهذا الفن «الشارعي»... ومن الواضح أن هذا الجدار الذي كان سيصبح حيزاً للقاء شبه يومي للشباب والشابات المحتجين والمعترضين سلمياً، أضحى ذكرى عابرة، تحملها صور التقطت من قلب الساحة. ولم يتسنّ للرسامين الشباب أن يخلقوا معالم فن غرافيتي يشبه بيروت وأهلها.