×
محافظة حائل

عام / حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء

صورة الخبر

كما ذكرت في مقالات سابقة، فإن إيران التي تبحث عن دور إقليمي يؤكد هيمنتها وتحكمها بالقرار في المنطقة منذ انطلاق ثورة الخميني عام 1979م، استطاعت بتوصلها للاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) في (14 يوليو الماضي) أن تجعل (كل الطرق تؤدي إلى روما) كما يقول المثل الروماني القديم، فأصبحت (طهران) هي روما القرن الواحد والعشرين. فبعد سنوات من قيادة إيران للعبث السياسي وإثارة القلاقل والأزمات في المنطقة العربية، في قلب البحرين بعملياتها الارهابية الدنيئة في سترة واكتشاف اكبر عملية تهريب للسلاح والمتفجرات بدولة الكويت واحتلالها للجزر الإماراتية، وتهديداتها المباشرة التي وصلت إلى (اليمن) خاصرة المملكة العربية السعودية، وتدخلاتها المستفزة والمستمرة في الشؤون الداخلية لدول المجلس، أصبحت الوفود الأوروبية تتراكض إلى طهران بحثاً عن الصفقات التجارية، في ذات الوقت الذي تعصف بدول مجلس التعاون حالات من الفوضى وعدم الاستقرار التي تستخدم كوسيلة من وسائل الضغط نحو التغيير باستغلال قوى سياسية ومكونات داخلية كجماعة الإخوان المسلمين أو الشيعة المدعومين من إيران، مع شن حملات دبلوماسية شرسة في مجلس حقوق الإنسان بجنيف ضد دول المجلس، ما يجعل دول مجلس التعاون في حيرة من أمرها رغم كل التطمينات التي قدَّمها الرئيس الأمريكي للقادة الخليجيين خلال القمة الخليجية الأمريكية في كامب ديفيد في مايو الماضي والذي أكَّد خلالها على موقف الولايات المتحدة الاستراتيجي والتزامها بحماية الخليج العربي من التدخلات والمغامرات الإيرانية في ظل الاتفاق النووي، والزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الدوحة أوائل الشهر الحالي والتي كان هدفها الرئيسي طمأنت دول المجلس بالتزام الولايات المتحدة بأمن واستقرار دول المجلس. لقد وصلت الخطة الشاملة في الشرق الأوسط إلى نقطة اللاعودة نحو التغيير، بعد القناعة الأمريكية بأن الشرق الأوسط سيبدأ مرحلة جديدة بلاعبين جدد، ولم يتبقَ إلا الجمع بين اللاعبين القدماء واللاعبين الجدد في حوار سياسي لتشكيل الفريق الجديد الذي سيقود المنطقة في السنوات القادمة، وسيكون تصويت الكونجرس الأمريكي على الاتفاق النووي في سبتمبر القادم والمتوقع أن ينتهي بالموافقة عليه هو الطريق الذي سيمهّد لإيران تقديم أوراق اعتمادها كنظام معترف به دولياً وبصفتها الممثل السامي الجديد فوق العادة المفوض بإدارة شؤون الشرق الأوسط والخليج العربي للسنوات القادمة، وهذا مايسمى في السياسة الدولية بـ (لعبة الأمم) عندما تكون المصالح أساساً للعلاقات بين الأطراف وإن اختلفت طريقة الأداء أو تركيبة النظام وتوجهه، فالمهم هو عدم المساس بالمصالح العليا للقوى الكبرى واستمرارها وإن كان الثمن التضحية بحلفاء الأمس مع ضمان الجانب الآخر لدوره في الإقليم. ومناسبة هذا المقال ما يتداول في وسائل الإعلام من أن حواراً سياسياً قد تم الإعداد له في نيويورك بين الجانب الخليجي والجانب الإيراني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم، والتي عادة ما تكون فرصة لترتيب اجتماعات لوزراء خارجية دول المجلس مع نظرائهم من الدول الإخرى كبريطانيا وروسيا وكندا والصين والهند وكوريا واليابان وغيرها من الدول والمجموعات الاقتصادية الكبرى. ومن هنا، فإذا نظرنا للحوار السياسي من جانبه الإيجابي فأعتقد أن عَقد الحوار وسط هذه الظروف الصعبة والتهديدات التي تمر بها منطقة الخليج العربي مهم لكلا الجانبين، لأنه يفتح آفاقاً للتعرّف على مواقفهما تجاه عدد من القضايا العالقة بينهما، والتفاهم لإيجاد الحلول المناسبة لها أو الاتفاق على حدها الأدنى على الأقل مما يساعد على تحسين العلاقات وتطويرها وينعكس بالتالي على أمن واستقرار المنطقة. إلا أن ذلك الحوار السياسي المرتقب سيصبح (حوار طرشان) ولن يُكتب له النجاح إذا لم تتوفر له الأسس والثوابت الواضحة ابتداءً، ولم تقم إيران قبل ذلك بخطوة عاقلة لتأكيد حُسن النوايا وإعادة بناء جسور الثقة من خلال المبادرة بما يلي: أولاً: الإعلان عن موافقتها بدء المفاوضات المباشرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة حول الجزر الثلاث المحتلة أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. ثانياً: الالتزام الفعلي بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة في علاقاتها مع دول مجلس التعاون؛ وذلك بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفضّ الخلافات والمنازعات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة، ووقف دعمها لقوى التأزيم وللعمليات الإرهابية ومن يقف خلفها في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت. هذا إذا نظرنا لهذا الحوار نظرة إيجابية، أما إذا جاءت إيران إلى الحوار وهي تحمل في يدها اليمنى ملف قيادة المنطقة كممثل سامٍ لمصالحها ومصالح الدول الكبرى التي أعطتها الدور الإقليمي بالقوة السياسية والاقتصادية الجديدة بعد الاتفاق النووي، وفي يدها اليسرى ملف إنشاء (المجلس الاقتصادي الإسلامي) الذي سيضم في عضويته العراق إلى جانب دول المجلس وإيران بدلاً عن (مجلس التعاون)، وهو المجلس الذي عرض خطوطه العريضة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في قمة مجلس التعاون بالدوحة عام (2007م) ، فأعتقد أن المنطقة ستدخل في نفق مظلم لا نهاية له، وستمر بمرحلة صعبة جداً تتضاءل معها فرص قيام علاقات حُسن جوار مستقرة بين الجانبين، مع استمرار التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المجلس، واستمرار استنزاف اقتصادياتها واحتياطياتها من العملة الصعبة على الأزمات المحيطة بها في سوريا واليمن، بما ينعكس على خطط البناء والتنمية لدول المجلس ومواطنيه. وفي ظل تلك التوقعات، فليس أمام دول مجلس التعاون من خيار الآن إلا بالتركيز على التطبيق الكامل للمواطنة الخليجية، والتوجّه الجاد نحو النهج الإصلاحي التحديثي القائم على الرؤية الخليجية المشتركة لتحقيق تطلعات مواطني دول المجلس، وذلك استمرار برفع مستوى المعيشة، وتعزيز التقدم المنتظم والمستمر، واحترام حقوق الإنسان، وذلك من خلال إرساء دعائم سيادة القانون والتعددية والمشاركة السياسية الفعَّالة من أجل بناء مجتمعات خليجية قائمة على القيم الحضارية ومتكاملة ومتفاعلة مع إطارها الخليجي والعربي والدولي بما يقوّي جبهتها الداخلية من أية تهديدات أو مخاطر ويصل بها حتماً إلى الاتحاد المنشود. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون