اختارت المهندسة الشابة صفية سليمان الشحي، تصميم مركز تعليمي متخصص لمرضى التوحد مشروعاً لتخرجها في قسم الهندسة المعمارية بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، لتضيف للعمارة الإنشائية هدفاً سامياً بالمساعدة في علاج تلك الشريحة. تصميم الشابة وأفكارها التي تحملها مع عزيمتها بتغيير العمارة الهندسية للأفضل مع زميلاتها المهندسات، يعبر عن اندفاع الشباب وتسلحه بالعلم والمعرفة والتعمق بالهندسة العمرانية، ويبشر بثورة هندسية تجتث الممارسات المشوهة للمعالم في الهندسة وتقر وتبدع معالم معمارية هندسية جديدة. المهندسة الشابة التي تخرجت بدرجة امتياز، تؤكد أن الإبداع في التصميم الهندسي ليس على الورق فقط، إنما لابد أن ينعكس على الواقع وأن كل تصميم له هدف ولم يوضع اعتباطاً، موضحة أن بعض الممارسات الهندسية الحاصلة على أرض الواقع مفجعة بالأخطاء التي تحتويها، فيما التركيز على تقليل التكلفة المادية لإنشاء المباني والتغاضي عن أساسيات الهندسة ومراعاة الأمور الأخرى هي أكبر خطأ يرتكبه المهندس في مهنته. تلاحظ المهندسة الشابة أن بعض التصاميم في واجهة المباني السكنية الخاصة بالمواطنين لا تتناسب مع الثقافة والعادات والتقاليد، إذ إن البعض يصمم في سكنه شرفة خارجية من دون أن تفتح أو تستخدم وتظل كمساحة مهجورة، لأنه من النادر أن نجد أسرة إماراتية على الشرفات الخارجية، كما أن بعض المهندسين يعيدون تصاميم قديمة جداً، على أنها جديدة في حين يصل عمرها لمئات السنين من زمن الهندسة المعمارية. وترى الشحي في الحوار معها أن على المهندسين رفع التوعية بالأنماط الهندسية وإدخال التصاميم الجديدة المناسبة لمجتمعنا وفي الوقت نفسه تراعي التطور الحاصل في الهندسة. } كيف كانت دراستك للهندسة؟ - تدرجنا في دراسة الهندسة وفي كل فصل دراسي يركز الأساتذة على مبان معينة، بحيث يكون الطالب ملماً بكل أنواع المباني المعمارية من مساكن إلى فنادق وسجون ومتاحف وغيرها، ويركز هدفنا التعليمي على أهمية إضافة شيء جديد في عالم الهندسة. } كيف كانت أفكار الطالبات المهندسات ؟ - كل طالبة تعمقت في عالم الهندسة وحاولت أن تضيف شيئاً وبعداً هندسياً ناجحاً في محيط عالمها، إذ عملت كل طالبة مثلا بعد أن اختارت موقعاً محدداً، تصميماً هندسياً يصحح الأخطاء في المباني الحالية، كما يعطي طابعاً جمالياً فريداً، إذ صممت إحدى الطالبات نموذجاً لإعادة إعمار العراق، وأخرى أعادت تصميم شارع المتنبي، المعلم الثقافي الشهير في بغداد، وأخرى صممت الجسر المعلق في سوريا. وكل طالبة كانت تتبع شغفها بتصميم مختلف ويتماشى مع الأهداف العامة لكل مشروع، كما صممنا متحفاً للرسامين بجانبه مدرسة تنمي موهبة الرسم، ووضعنا تصميماً آخر لمستشفى مرضى السكري للأطفال. } ولماذا اخترت تصميم مركز توحد؟ - كان هدفي أن أصمم مركزاً يحوي تلك الشريحة التي تتزايد أعدادها من دون أن يكون لها مركز يستوعب تلك الزيادة، وهدفي مساعدة تلك الشريحة، لأن معالجتها مبكراً يمكن أن تغير الكثير في حياتها وتجعلها قريبة من الأشخاص العاديين، فالذين تنجح المراكز في تأهيلهم يصبحون من أصحاب المهارات الخارقة، كما هو شأن عدد من الشخصيات العالمية المعروفة التي اتضح أنها كانت تعاني مرض التوحد في صغرها، وحين عولجت أبدعت في المهارات الخارقة التي تمتلكها. وحين بحثت عن مراكز التوحد، وجدت أن هناك مركزين فقط على مستوى العالم مصممين بشكل خاص لمرضى التوحد، أحدهما في أستراليا والآخر في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كل منهما يتناسب التصميم مع العلاج والتمرينات والبرامج التعليمية التي يلتحق بها المصابون بالتوحد. ويخرج المركزان أطفالاً مؤهلين مع أولياء أمورهم للتغلب على المرض بشكل فعال، بحيث يستطيعون الاعتماد على أنفسهم من دون الحاجة إلى مساعدة أحد. } كيف بدأت بتصميم المركز ؟ - قمت أولاً بزيارات ميدانية للمراكز التي تعنى بمرضى التوحد بالدولة، خصوصاً مركز رأس الخيمة الذي زرته مرات عديدة، وبدأت بتصميم مركز في محاولة لتحاشي الأخطاء المرتكبة في تصميم المباني الخاصة بهذه الفئة، ولاحظت أن معظم المهندسين لا يستوعبون الهدف من المبنى، إنما يكون تركيزهم على كيفية تقليل التكاليف المادية لإنشائه. } وما النقاط التي ركزت عليها ؟ - ركزت على كيفية استغلال المصادر الطبيعية من الإضاءة والألوان من البيئة ذاتها، واستخدام المواد الصديقة لها، إذ يتكون المركز الذي صممته من حديقة كبيرة ومبنى للإدارة وغرفة متعددة الاستخدامات ونادٍ صحي ومسبح بالإضافة إلى مركز خاص للأهالي والمهتمين بالانضمام إلى الدورات التثقيفية المؤهلة للتعامل مع مرضى التوحد. هذا ما يتكون منه الطابق الأول، أما الثاني فصممته كظل له، وبينهما مسافات طولية مفتوحة لإدخال الضوء الخارجي، وهناك تدرج في المساحات حتى لا يشعر الطفل بالملل، كما توجد حدائق داخلية في المركز، والفصول الدراسية عبارة عن شقق تتكون من طابقين: الأرضي عبارة عن مطبخ وغرفة نوم وتهدئة للأطفال ومخزن وغرفة معيشة حتى يشعر الطفل وكأنه في منزله، أما الطابق الثاني فهو الفصل الدراسي، وصمم كل فصل ليستوعب 13طفلاً فقط. } وكيف يفيد ذلك التصميم في علاج مرضى التوحد؟ - درست حالات التوحد وقرأت كثيراً عن المرض، لأسهم في علاج المصابين من خلال المركز التعليمي الذي أصممه، فتأكدت أن الطفل يحتاج قدر الإمكان إلى المصادر الطبيعية والبيئة الحيوية التي يعيش فيها، ومصاب التوحد من الصعب التواصل معه، لكن إذا تركناه مع الطبيعة من غير أن يكون هناك مخاطر عليه، يسهل التواصل معه، فالبعض منهم يمتلك قدرات استيعابية عجيبة إذا استطاع المعلم التعامل معه بشكل جيد، فراعيت تلك النقطة وتجنبت الحواف الحادة، وركزت على الانسيابية وتنوع الألوان الطبيعية في المركز، وكل مبنى إنشائي لابد أن يراعي هدف المستخدم ومبتغاه الأساسي في المبنى. } كم تبلغ تكلفة المبنى؟ - التكلفة كبيرة، لكن إذا قارناها بعدد الحالات التي يمكن علاجها سنوياً نجدها أقل بكثير، إذ يبلغ متوسط علاج طفل التوحد حوالي 200 ألف درهم سنوياً، في حين الكثير من أولياء الأمور يفضلون علاج أبنائهم خارج الإمارات، فإنشاء المبنى على أرض الدولة هو بحد ذاته مربح لمجتمعنا، ولتلك الشريحة الغالية. ومستعدة لتقديم كل العون لأي جهة معنية تتبنى إنشاء مدرسة أو مركز متخصص لمرضى التوحد. } ما خطوتك بعد التخرج؟ - أسعى للحصول على عمل يتناسب مع تخصصي، ويحتوي أفكاري واندفاعي في عالم الهندسة المعمارية، وإذا لم أجد تلك الفرصة سأكمل دراستي في التخصص ذاته، لكن خارج الدولة، لأستفيد من الثقافات المختلفة والتطور الحاصل في العمارة في الخارج.