لم تنته تظاهرة طلعت ريحتكم، على سلام يوم أمس، فقد لجأت القوى الأمنية ومن خلفها السلطة السياسية إلى قمع المتظاهرين الذين لم تتعدَ أعدادهم بضع مئات، وتحولت المسيرة التي كان يفترض ان تكون سلمية بشكل دراماتيكي الى دموية مع البدء بإطلاق النار على المتظاهرين العزل الذين احتشدوا في الشارع للمطالبة بحقوقهم البديهية، والتعبير عن الاستياء من الأوضاع عموما، فسقط منهم 18 جريحا. شرارة الاحتجاجات كما بات معروفاً موضوع النفايات التي كانت تتكدس في الشوارع وتحاصر الناس في بيوتهم، فيما الكهرباء مقطوعة والمكيفات لا تعمل وسط أجواء حارة جدا في هذه الفترة من السنة. ومعالجة أزمة الزبالة طالت، بينما كانت تحتاج إلى خطة طوارئ من الحكومة لحلها جذريا، ووزير البيئة وعد بأن تقوم شركات مختصة بمهمة جمع النفايات في كل المناطق، وهذا لم يتحقق. اللبنانيون غاضبون يدفعون الضرائب الى دولة لا تقدم لهم الحد الادنى من الخدمات، يزدادون فقرا فيما تزداد الطبقة السياسية ثراء، وكانت هناك تحركات مطلبية لهم في السنوات الماضية لإقرار ما سمي بسلسلة الرتب والرواتب، لكن لا من مجيب. وكل هذا يحدث في دولة على شفير الإفلاس دون رئيس منذ أكثر من سنة، وحيث المناكفات السياسية أصبحت الطريقة المعتمدة في الحياة السياسية، وحيث الفساد ينخر مفاصل الدولة، والمحاصصة الطائفية تشل الحكومة عند كل مفترق، حتى وصل الوضع إلى حد انتشار النفايات من الشوارع. أزمة متواصلة يعيشها اللبنانيون منذ عام 2005، إذا استثنينا فترة اتفاق الدوحة الذي لم تصمد طويلا، فيما تبقى الطبقة السياسية مرتهنة للخارج وعاجزة أو على غير استعداد للخروج بحل سياسي، طالما أن الخلافات الإقليمية قائمة. وأخيرا، بعد قمع المتظاهرين، أعلنت حملة طلعت ريحكتم نيتها الاعتصام وإقامة الخيم في وسط البلد إلى حين تنفيذ مطالبها ومحاسبة المسؤولين عن اطلاق النار على المتظاهرين، وتطلق دعوات لاستقالة وزير الداخلية والبلديات، وهذا على الارجح ان يثير الانقاسمات في بلاد منقسمة على كل شيء، فيما استقالة الحكومة تثير المخاوف لما يعنيه ذلك من فراغ سياسي، لكن الوضع كما هو لم يعد قابلاً للاستمرار طويلاً، فإلى أين من هنا؟