الانهيار الذي تعرض له مبنى الكويتية القديم جراء عملية الهدم «البدائية»، وما صاحبه من إزهاق روح بريئة، يعكس حقيقة وواقعية تعاطي الادارة الحكومية، مع هذا الحدث والاحداث المشابهة، ومدى سلبيتها وعدم اكتراثها، بل وإخلاء مسؤوليتها بتبرير هزيل، كأن الامر لا يعنيها بتاتا. بداية، تفاجأنا جميعا بالطريقة «الفلتة» لعملية الهدم، والمشابهة لعملية تسوس الاسنان، حيث التحفير «والتنخير» بواسطة الآلة الميكانيكية «الحفارة»، وهي على سطح المبنى المكون من نحو 11 طابقا وبطريقة قمة في الخطورة، من دون أي أثر يذكر لإجراءات وشروط الامن والسلامة المحلية والدولية، بحيث كنا نرى الحفارات تدك الاسقف والجدران الخرسانية التي تحمل أطنانا من الكونكريت والحديد الصلب، وترمي بها لأسفل المبنى وهي «تتمخطر» ذهابا وإيابا على حواف وزوايا سطح المبنى، بصورة بدائية جدا وغير آمنة على الاطلاق. ورغم إطلاقنا للصيحات والتحذيرات تباعا في وسائل الاتصال الاجتماعي بضرورة وقف اعمال الهدم فورا للخطورة القصوى، الا انه «عمك أصمخ». والعجيب بالأمر أن المبنى المذكور اعتبرته الحكومة، متمثلة بوزارة المالية «غير آمن إنشائيا» و«آيل للسقوط»، ولهذا السبب أريد هدمه، فكيف أتفق على هدمه بهذه الطريقة الخطرة وهو غير آمن ومعرض للانهيار، وهذا ما حدث فعلا، والتي انتهت فصول القصة الاليمة الى الحادث المأساوي الآثم، ألم يجد فطاحل الدولة المسئولين طريقة أفضل وأسلم من هذه، لم لم تستخدم طريقة الهدم «بالديناميت Building implosion» مثلا، كالمعمول بها في معظم دول العالم، فقد شاهدنا مباني ذات ارتفاعات شاهقة وقديمة جدا تحمل أطنانا كبيرة من المواد الصلبة تهدم بهذه الطريقة، وباتخاذ كافة إجراءات الامن والسلامة، وإذا لم تكن هذه الطريقة مناسبة لسبب أو لآخر، لم لم تستخدم الحفارة الكرين ذات «البوم العالي High reach excavator»، وقد استخدمت هذه الطريقة لهدم العديد من المباني القديمة في العالم، بل وأعلى ارتفاعا من هذا المبنى. حقيقة أشك أن أي طرف كان، قد أطلع على المخططات الهندسية للمبنى المذكور، والا كيف تنهار أحدى زوايا هذا المبنى وتحدث فجوة هائلة، من الطابق التاسع الى الارض، مخلفة أرتالا من مواد البناء المستخدمة وتزهق روح بريئة بسببها، ظل رجال الانقاذ أكثر من سبع ساعات يعملون لإستخراجها، ولا يوجد أي إشارة أو أثر في هذه المخططات الى ذلك، أو قل على الاقل لم لم تتخذ الاجراءات الوقائية إن كانوا قد اطلعوا عليها. وظاهر الامر أن جميع الاطراف ذات العلاقة هي محل إتهام، وتتحمل ذنب الروح البريئة ووزر طريقة الهدم العشوائية، فالمقاول المنفذ والمكتب الهندسي الاستشاري وكذلك المالك( المتمثل بوزارة المالية)، مسئولين بالتضامن عن سلامة العاملين (انظر المادة 1 من اللائحة الجديدة لهدم المباني والمنشآت وشروط السلامة الصادرة من بلدية الكويت- بند المسؤول عن السلامة) المرفق بالرابط الآتي http://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/municipal-council/550713/12-04-2015. وكذلك مسؤولية بلدية الكويت (انظر المادة 8 من نفس اللائحة أعلاه) التي لم توقف العمل فورا عندما تبين لها أن طريقة الهدم تشكل خطورة على أرواح العاملين، فإن كانت لا تعلم ولم تقم بدورها في عملية التفتيش فتلك مصيبة، وإن كانت تعلم فالمصيبة أعظم. إن إخلاء الحكومة والمتمثلة بوزارة المالية (المالك) مسؤوليتها عن الحادث، والقاء اللوم فقط على الجهة المنفذة والمكتب الاستشاري، هو أمر غير مقبول ومعقول إطلاقا، فبالإضافة الى ما ذكر أعلاه، فمن المعروف ان الجهة المالكة هي مسؤولة بالتضامن عن أعمال التنفيذ التي تقع ضمن نطاق ملكيتها، وذلك بواسطة إدارة المشاريع او الادارة الهندسية التابعة لها، والمنوط اليها متابعة ومراقبة والاشراف على اعمال المقاولين، والا فما الفائدة من توظيف طاقم من المهندسين والمراقبين في هذه الادارة، إذا كان المقاول هو المسؤول الاوحد عن تنفيذ المشاريع سواء الانشائية أو الصيانة. يجب على الجهات الرسمية المختصة فتح تحقيق في هذا الحادث الاليم، وإحالة جميع الاطراف المسؤولة الى المحاكمة، وليكونوا عبرة لمن لا يعتبر، فإزهاق روح بريئة ليست ألعوبة بأيديهم، والاستهتار وعدم المبالاة من قبل هذه الاطراف بطريقة الحفر وبشكل ينم عن عدم الإكتراث بأرواح العاملين، لهو أكبر دليل على التسيب والرعونة، ويجب أن تنالهم العقوبة جراء ذلك. * كاتب كويتي Twitter: @ftaleb