×
محافظة مكة المكرمة

مساعدة مدير تعليم جدة تتفقد سير العملية التعليمة للطالبات بالمحافظة

صورة الخبر

الألوان الشمعية، الألوان المائية، الباستيل الطباشيري، البليوود المضغوط بوجه أملس ووجه عادي، الكانفس، ورائحة الزيت، أنت إذاً، أمام دهشة اللوحة المسندية، أمام طقس الفنان وألوانه، وحرية ريشته على سطح لوحة ستؤول إلى فضاء تصويري وبصري أخاذ. تدين الحركة التشكيلية في الإمارات، لذلك الصخب الجميل، وذلك الإرهاص الفني الذي بدأ في أوائل سبعينات القرن الفائت، وهو حراك ضم عدداً من الأسماء العربية أيضاً: عبدالرحمن زينل، عبدالقادر الريس، د. محمد يوسف، أحمد الأنصاري، حسن شريف، عصام شريدة، صبحي مراد، فاطمة لوتاه، ومن بعدهم د.نجاة مكي، حمد السويدي، عبدالرحيم سالم، د. عبدالكريم السيد، عبدالرحيم شريف، محمد أحمد إبراهيم، محمد الحمادي، محمد القصاب، عبيد سرور، إبراهيم العوضي، منى الخاجة، أحمد حيلوز ود. إحسان الخطيب، وغيرهم. هؤلاء في معظمهم من رواد اللوحة المسندية، التي عكسوا من خلالها مدارس الفن المتنوعة، منهم من بدأ واقعياً مستلهماً البيئة وما تختزنه من تراث، فعبر عن مفرداتها بأساليب تراوح بين الواقعية والتجريد.. ومعظمهم جرب تكنيك الاختزال في الفن، وأقام معارض عدة محلية وعربية وعالمية. البيئة، هي الفضاء المشترك لمعظم الفنانين الإماراتيين، ومن خلالها انطلقت التجربة، تحمل سؤال البحث عن الجوهر، في واقع متشكل وسريع التأثر بما يحيط حوله من متغيرات. كانت التجربة الأولى ولنقل المراحل الأولى لعدد غير قليل من التشكيليين الإماراتيين، هي أعمال واقعية، ومع تنامي التجربة، أصبح التعبير واضحاً في كثير من التجارب، ويمكن القول من دون تردد إن التجربة الناظمة والمشتركة لمعظم المؤسسين في التجربة التشكيلية المحلية، قد نزعت نحو (التجريد التعبيري)، وهي مرحلة تتسم بالشفافية والأصالة، كونها تعاملت مع مفردات وثيمات من البيئة، وعبرت عن بوح الفنان وتوقه للتعبير عن وجهة نظره من دون تردد. وكانت اللوحة المسندية، ولا تزال حتى اللحظة، حاضرة بقوة في المشهد التشكيلي الإماراتي، أما عن اشتغالات الفنان وقدرته على التعبير من خلال ريشته عن هذه التجربة، فتختلف من واحد إلى آخر، فعبدالقادر الريس على سبيل المثال، بدأ في مرحلته الأولى واقعياً، يستخدم الألوان الزيتية والمائية، ثم اتجه في مرحلة لاحقة إلى التجريد التعبيري مع ميل لتوظيف الحروفيات في لوحة، أقل ما توصف به بالشفافية اللونية التي تدل على خبرة وممارسة الاشتغال الفني. وكانت الفنانة القديرة د. نجاة مكي، الأقرب إلى تجسيد لوحات نابعة من وعيها الحسي والجمالي باللون والزخرفة، بأسلوب تعبيري في مرحلته الأولى، وتجريدي تعبيري على صعيد الألوان والتكوين. جسدت د. مكي عالم المرأة بحس أنثوي رفيع، في تجارب منفردة عدة، وفي تجربة مشتركة مع التشكيلي عبدالرحيم سالم في معرض عنوانه (نساء الظل) نذكر هذا المعرض، بسبب خصوصيته، وما يطرحه من أفكار عميقة، بذل فيها الفنانان كل بأسلوبه الخاص، عالماً من الظلال والألوان والملامح، أو لنقل ذلك التناقض بين ضعف الخط وقوة اللون، وأيضاً بين السكون والحركة، التي بدا فيها تكنيك الاختزال الفني واضحاً في هذه التجربة. ومسألة تكنيك الاختزال، واضحة عند الفنانة منى الخاجة التي تقول عن نفسها، كما يوثق كتاب الدكتور إحسان الخطيب (النشوء والارتقاء في الفن التشكيلي) مرحلة الاختزال نتجت عنها تكوينات تصميمية تختصر الوحدات التراثية والإنشاءات المعمارية إلى إيقاعات لونية مزخرفة داخل صيغ بصرية، ذات رموز ودلالات تطرح أفكاراً ورؤى لتتوحد اللوحة كوحدة واحدة لونياً وزخرفياً تتراقص ألوانها بانسيابية راقص الباليه الإيقاعي على خشبة المسرح. والحقيقة، أن ربط التشكيل بالمسرح، بحسب ما أوردت منى الخاجة، هو ربط فني وجمالي، يعرج على مفهوم تذوق الفن، بل هو أساس من ركائز الثقافة الفنية التي تمزج بين التشكيل والخطوط والألوان ومزج الألوان وفلسفتها، ففي اللوحة المسندية، أنت لا تنظر إلى اللون فقط، أنت تدرسه، تتعرف إلى ماهيته، وعلى تدرجه الهارموني، وعلى شفافيته، ومثل هذا الإحساس الجمالي لا يحيل على المسرح فقط، بل على الموسيقى أيضاً، كما أنه جزء لا يتجزأ من التصميم المعماري، ما يعني أن اللوحة هي منظر بصري يتشكل من الخطوط والألوان والمساحات وهيئة الشكل، سواء كان مربعاً أو دائرياً أو مضلعاً، أو غير ذلك، فهو يحتاج إلى دراسة تشريحية، تقع بالضرورة في صلب دراسة الفن التشكيلي. ومثل هذا الإحساس نجده عند الفنان عبدالرحيم سالم كما نجده عند الفنان محمد القصاب، الذي بدا في بعض لوحاته يميل إلى الواقعية التعبيرية، ثم إلى التجريد. وفي سياق مختلف قليلاً، تبدو الفنانة فاطمة لوتاه، في أعمالها الجديدة، مهمومة بنوع من التأمل، فثمة عوالم غير محسوسة، في لوحاتها مفروشة بأناقة التجريد، بوصفه فلسفة تعبر عن واقع محسوس وليس ملموساً، ولوتاه في لوحاتها كما يقول د. عمر عبدالعزيز تحضر في متواليات التجريد بالأبعاد المُتعارف عليها، وتذهب إلى المفاهيمية البنائية المقرونة بالبُعد الثالث الواقعي، بمعنى أنها واقعية فنية صرفة منغرسة في أساس الإيهام والتجريد. الحديث عن ريادة اللوحة المسندية في الإمارات، هو حديث ذو شجون، فيه قبس من تاريخ الإمارات الحضاري، بحسب التشكيلي العراقي د. إحسان الخطيب الذي رافق التجربة التشكيلية المحلية منذ بواكيرها، الطريف في التجربة، هو مفاجآتها الكثيرة، كحديثه عن الفنان أحمد الأنصاري الذي يعتبر أول من أقام معرضاً في الشارقة في عام 1971، وهو أي الخطيب يكشف عن لوحة جميلة للأنصاري فيها تاريخ الإمارات حيث الطبيعة الخام والقلاع، من خلال لوحة جميلة تسلب اللب، تعشقها من النظرة الأولى، لوحة رسم جزءاً منها بسكين الباليت، لمنظر جبلي يطل على جدول مائي، بألوان ترابية تحاكي البادية وزرقاء تحاكي البحر والجداول المائية.