أعادت مغنيات شابات الأغنية الصوفية في قوالبها وأشكالها المتباينة ومناهج غنائها وأنواع رقصها ومكانتها وانتشارها بين أوساط الشباب وصارت من أنواع الموسيقى التي يُقبل عليها باهتمام وشغف، ومن ذلك خرجت العديد من الفرق في هذا الاتجاه منها مشروع صليب صوفى وهو عبارة عن نسيج من الألحان القبطية والأغاني الصوفية، وكذلك فرقة سماع للإنشاد الصوفي بغرض الحفاظ على التراث الصوفي وإحيائه، واليوم تعيد مغنيات الصوفية النص والكلمة إلى منصات المسارح بتفرد واقتدار يحسب لهن وينعش فنون الإنشاد المرفق بذكر اسم الله والالتفاف حول النفس بإيقاعات عصرية. إيقاع الطار ويرى النقاد أن هذه الأناشيد لعبت دوراً كبيراً في النسيج الاجتماعي وكانت سبباً في إقبال الجمهور عليها ومتابعتها والمواظبة على حفلاتها كما لعبت المدنية دورها في بلورة أسلوب الأداء للأغنية الصوفية، الذي بالرغم من كل المؤثرات ظل متمسكاً بالبساطة، ومعظم كلماتها اعتمدت على اللهجة المحكية، وعلى الإيقاع الذي يكون الطار أو الدف من الآلات الأساسية فيه، بينما تقوم موجة التجديد على إدخال آلات حديثة يستهجنها البعض ويعتبرها دخيلة، ويستحسنها آخرون على اعتبار أنها ستساهم في تطوير هذه الموسيقى وإخراجها من سجن الزوايا. رفض المعلبات ومن جانب آخر كانت المصرية دينا الوديدى إحدى مغنيات الصوفية وموسيقى الأندرجراوند التي أعادت اكتشاف التراث بطريقة عصرية، لا تهدر أصالته وإنما تسعى لتجديده، كرسالة رفض للمعلبات الفنية النمطية التي غلفت المناخ الفني، فأصابته بالركود، فحينما تتحرك دينا الوديدي على خشبة المسرح وهي ممسكة بآلة الدف وتنقر بأصابع يدها إيقاعات منتظمة. تسافر إلى عالم ساحر وسرمدي وفى حضرة على صوتها يتمايل المريدون الذين توحدوا مع علو وانخفاض أدائها المتقن بالحالة الشعرية والمشهد الملحمي. دخلت دينا الوديدي عالم الفن عن طريق التلحين، فهذه كانت موهبتها الأولى، فكان من الطبيعي أن تدخل عالم الغناء بعد اكتشاف صوتها المدهش، من خلال تجربتها مع المخرج حسن الجرتلي وفرقة الورشة وساعدتها دراستها للغة الفارسية والتركية في اكتساب أفق غنائي متنوع. تجليات الوجد وفي رحلة موسيقية صوفية تدعونا الفلسطينية ريم البنا وتحثنا على التساؤل عن دور الفكر والروحانية وكيفية تفاعلهما مع واقعنا اليوم والذي ينبع من ولعها بالحرية بمعناها الكبير، فهي التي تحمل سماء فلسطين في كلماتها، وتفتح أبواب التواصل مع الآخر من دون أحكام مسبقة وتجعل من اللحظة الموسيقية لقاء حقيقياً، ومن أنجح أعمالها ألبوم تجليات الوجد والثورة الذي يبحر مع الشعر ويغوص في إيقاعات جديدة، لقصائد شعرية لرابعة العدوية، وابن الفارض، والحلاج، وابن عربي، لها عدة ألبومات موسيقية مستمدّة من وجدان الشعب الفلسطيني، من تراثه، تاريخه وحضارته، ويتميز أسلوبها الموسيقي بدمج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى العصرية. وتعتمد في اختيارها كلمات أغانيها على أشعار غير ملحنة من التراث وتقدمها بألحان ذات طابع حداثيّ خاص بها، تسترشد بالموسيقى الشعبيّة والعربيّة القديمة وإيحاءات موسيقى الشعوب في العالم، وذلك من أجل أن يستمر الحفاظ على هذه الأغاني والنصوص كي لا تغيب عن ذاكرة الأجيال المقبلة. تكريم البردة وتعد المغنية كريمة الصقلي، صاحبة أحد أجمل الأصوات المغاربية في أداء الأغاني الصوفية، حيث احتفت بغناء قصيدة البردة والذي جاء بمثابة تكريم للإمام البوصيري صاحب أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمداً عليه الصلاة والسلام، والتي كتبها في القرن الثالث عشر الميلادي، وأجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل قصائد المديح النبوي، وأُدّيت بأكثر من لحن، ومن أبرز أشكالها الشكل الأندلسيّ التقليدي، ويأتي هذا العمل المشترك بعدما سجلت الصقلي عمل ليلى التي تعد رمز الحب الانثوي الذي اتخذه الصوفيون للتعبير عن العشق الإلهي، ويأتي بعد مقام الحب الذي يضم قصائد لشيوخ الصوفية ابن عربي وابن الفارض وأبو الحسن الششتري. الغجرية المتصوفة يقول الصوفية لكل شيخ طريقة والتونسية غالية بن علي شيخ، مزج عجيب بين الموسيقى العربية والغربية.. تغتسل قطرات نديه في رحابها، موسيقى حرة من أي قيود، يتأرجح فيها صوتها، فتتأرجح معها روحك التواقة للتحرر، وهي ترى أنه صفة الغجرية تعبر عنها وترمز للحرية بمداولاتها التي تتطابق مع واقع حياتها المليئة بالترحال والسفر.