محمد نجيب محمد علي-الخرطوم أعاد الكاتب السوداني الدكتور حسن الجزولي في كتابه "وليم أندريا.. غزال السبعينيات الأسمر"، الصادر عن "دار مدارك للنشر"، رسم صورة عاشها جيل ولد قبل الاستقلال بسنوات، وعاش طفولته في فترة انفتاح الستينيات، وشبابه مع صيحة "إلفيس بريسلي" و"بوب مارلي" وفرق الجاز بالعالم. وليم أندريا لاعب سلة سوداني فاز مع المنتخب ببطولة العرب بالكويت عام 1975، وهو موسيقي يغني ويعزف على الجيتار، وفنان تشكيلي، قُتل في حادثة غامضة إبانمحاولة الانقلاب على نظامالرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري فيالثاني من يوليو/تموز 1976، والتي أطلق عليها آنذاك اسم "حركة المرتزقة والغزو الليبي". وتزامن ظهور فرقة أندريا للجاز، والتي كان لها حضور كبير في مسارح وأندية الخرطوم مع حراك فني وثقافي وسينمائي كبير شهدته سبعينيات القرن المنصرم. يقول الجزولي للجزيرة نت إنه انشغل عبر كتاباته بتسجيل سير الحقب والأحداث بالسودان، لأن حفظ سير التاريخ بكافة نواحيه ومفاصله للأجيال اللاحقة، وتسجيل دقائق الوقائع وحفظها في أضابير التوثيق للأجيال القادمة، يشكل أحد عناصر نهضة الشعوب والحضارات. خرطوم السبعينيات ويمضي الجزولي قائلا إن اهتمامات جيل السبعينيات في الخرطوم تعددت بين السينما والمسرح والفنون التشكيليةوالمنتديات الثقافية المفتوحة، وكانت المدينة قد احتفلت مع الموسيقار اليوناني العالمي ميكس ثيودراكس مؤلف الموسيقى التصويرية"لفيلم زد" الشهير، حيث تم استقباله "بسينما كلوزيوم" وسط العاصمة السودانية عند عرض الفيلم لأول مرة. إبراهيم الصلحي: الكتاب شكل محاولة لرصد الشؤون الثقافية وتوثيقها(الجزيرة) ويقول أيضاإن الحياة الثقافية في السودان كانتزاخرة بالمكتبات العامة، وباهتمام الصحف والدوريات ونشر الإبداع، واشتهرت المقاهي بروادها من الشعراء والمسرحيين والصحفيين والفنانين كأندية ثقافية اجتماعية مثل "مقهى ود الأغا" و"جورج مشرقي" و"يوسف الفكي". وفي تلك الفترة، زار المغني العالمي جيمي كليف السودان، واستمع إلى فرقة "البلوستارز"، التي كان من ضمن أعضائها وليم أندريا، وهم يتغنون بأغنياته، فانضم إليهم وشغف بأداء أندريا، ومن تلك الزيارة استوحى كليف إيقاعات حلقات الذكر بمنطقة حمد النيل غرب مدينة أم درمان لتأليف أحد "ألبوماته الغنائية". ويحكي الكتاب عن تلك الخرطوم التي كانتتتلاقى بين ربوعها حفلات الجاز ومباريات كرة السلة والمنتديات المفتوحة في المقاهي والأندية المختلفة، والتي تعيش في رحابة اجتماعية وفنية وثقافية لمجتمع متطور وسط كل ثقافات العالم. تاريخ منسي ويروي الكتاب اهتمام الراحل وليم أندريا بالغناء والرياضة والتشكيل الذي أعطاه ملكة التعرف على المجتمع وسبر أغواره كفنان مبدع، كما أنه أوجد لنفسه أصدقاء لهم مكانتهم في الرياضة والفن، مما أسهم في تنمية موهبته وصقلها مع إجادته التامة للغناء باللغة الإنجليزية، إلا أنه اتجه للغناء باللغة العربية مع إيقاعات غربية سيطرت على إنتاجه الفني. والتحق الراحل بمعهد الموسيقى والمسرح، ولم يكمل دراسته به لرحيله المبكر، إلا أن إدارة المعهد منحته درجة البكالوريوس مع الشرف في تخريجدفعته. وزمن وليم أندريا الذي رسمه الكاتب يتعدى سيرة الفنان الراحل إلى سيرة مجتمع كامل في الفن والموسيقى والسينما والرياضة والإعلام من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون. " حاول الكاتب المقارنة بين ماضي الخرطوم في سبعينيات القرن المنصرم وحاضرها، وهي مقارنة أخذت حيزا كبيرا في مقاربة موضوعية بين زمن وأزمنة جديدة عاشتها وتعيشها المدينة " وحاول الكاتب المقارنة بين ماضي الخرطوم في سبعينيات القرن المنصرم وحاضرها، وهي مقارنة أخذت حيزا كبيرا في مقاربة موضوعية بين زمن وأزمنة جديدة عاشتها وتعيشها المدينة، وكانت الغلبة في كل المقارنات لصالح خرطوم وليم أندريا. رصد وتوثيق يقول الفنان التشكيلي العالمي السوداني إبراهيم الصلحي عن الكتاب إنه في مجمله يتحدث عما كان قائما بالبلاد وإلى فترة السبعينيات من نشاط ومكتسبات ثقافية أشار إليها بأوعيتها المختلفة في شتى المجالات العامة والخاصة، وشكل محاولة لرصد الشؤون الثقافية وتوثيقها. ويرى أستاذ الموسيقى الدكتور أنس العاقب أن وليم أندريا في حركة الغناء سبق جيله، وكانيتمتع بإحساس متقدم موسيقيا على الآخرين، وكان مغنيا وعازفا وموزعا موسيقيا، وكان أول من أدخل "الصولات" والعزف المنفرد على آلة الجيتار، وأوحى لكبار الفنانين أمثال محمد وردي، ومحمد الأمين، وصلاح مصطفى، باستخدام هذا النموذج المتفرد في العزف على تلك الآلة. ويذهب الناقد عامر محمد أحمد إلى أن الكتاب محاولة لتوثيق جزء من تاريخ الخرطوم تم تغييبه عمدا، إلا أن الحاضر الماثل ألقى بظلاله السالبة على الكتاب فتحوّل إلى احتجاج صارخ على الحاضر بدلا من تدوين تاريخ جميل لمدينة الخرطوم بإعادة الراحل وليم أندريا لسطح الذاكرة والغناء من جديد. يُشار إلى أن الدكتور حسن الجزولي له عدة كتب في سير بعض الشخصيات السودانية، إذ تناول حياة الراحل عبد الخالق محجوب في كتابه "عنف البادية"، كما اهتم بتاريخ الصالونات الأدبية في عشرينيات القرن المنصرم في كتابه "نور الشقايق".