اندفع الناس والكتاب لنقد البنية التحتية فشبهوها بمريضٍ لايستطيع بلع ريقه، وهي تغرق من مطر يوم واحد. سويعات من المطر تحيل الأنفاق إلى مصائد والطرق إلى وديان، والأحياء إلى بحيرات، وتتعطل الحياة وتقفل المدارس والجامعات. الواضح أن أغلب النقد جاء بلغة الغضب والإحباط برغم التعليقات الساخرة أحيانا. كما أنه في العموم كان موجهاً إلى كبار المسؤولين، برغم أن أسماء شركات شهيرة تكررت على الألسن استأثرت بحصة الأسد بمشاريع المدن الكبرى والجامعات لعقود. لن أقف موقف المدافع عن أحد ولكني سأحاول أن أكون منصفا، فالقيادة اعتمدت الخطط ورصدت لها المبالغ الضخمة جدا. وطرحت المناقصات حسب نظام متعارف عليه برغم عيوبه. وفاز بأغلبها شركات "وطنية" كبرى كنا نعتبرها مقياسا للجودة قبل أن تخرج علينا بعدة مشاريع متهالكة. المشرفون على المشاريع فيهم من أبناء هذا الوطن. وبعض المهندسين أبناء هذا الوطن. ولكن المفاجأة أن التكلفة عالية والظاهر جميل بل وخادع بينما يظهر الخلل بعد حين يسير من الافتتاح والبهرجة الإعلامية. أيضا القيادة أنشأت هيئة حماية النزاهة وحرب الفساد، وقالت لاتستثني أحدا في محاولة منها للحد من الفساد، أين الخلل إذاً؟ ولماذا عجزت هيئتا حماية النزاهة، والرقابة والتحقيق عن منع تكرار الأخطاء وعن تحديد المسؤولين عنها أيا كانوا كما طلب خادم الحرمين الشريفين حفظه الله؟ من المعلوم أن الصحافة تمثل سلطة رابعة دورها في الغالب رقابي. ولكن عندما يحاول الكتاب استباق الأحداث وتسليط الضوء على مواطن الخلل يصبح هذا التوجه غير مرغوب في العموم متهمين أنهم لا يرون إلا النصف الفارغ من الكأس. اليوم دفعهم للكتابة النصف الممتلئ من الأنفاق. تكرار المآسي والإخفاقات – رغم جهد القيادة الصادق - أفرز كتابا لا يرون إلا الأخطاء وليس هناك مصيب في نظرهم، وهذا جعل الناس والمسؤولين لايلتفتون كثيرا إلى طرحهم. كما أن سهولة الوصول إلى وسائل الإعلام الحديثة أتاحت لكمٍ كبير من الناس المشاركة وكانت في غالبها ساخرة أو غاضبة. فلسنا دولة فقيرة بل نحن دولة غنية تصرف المليارات على البنية التحتية وليس عندي أدنى شك بأن المسؤولين يريدون من مدننا أن تنافس أفضل مدن العالم. فلماذا لم ننجح كما نجحت الدول الفقيرة والغنية في ذلك؟ هناك درس آخر من المأساة: لو أن لكل وزارة ومؤسسة مطراً لظهر لنا من الخلل مالا يحتمل. نريد جدية أكثر في تطبيق المعايير وحماية النزاهة وتفعيل الرقابة.