أحيا اتحاد كتاب وأدباء الإمارات أمسية احتفائية بالشاعرة القطرية سميرة عبد الله عبيد، بحضور عدد من الشخصيات الثقافية والإعلامية الإمارتية والعربية البارزة، وفي مقدمهم رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الشاعر حبيب الصايغ، مدير بيت الشعر في الشارقة الشاعر محمد البريكي، وتألقت الشاعرة الهنوف محمد والمسؤول الثقافي لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات في تقديم الاحتفالية مبرزة مسارات الشاعرة المحتفى بها في مجرات الكتابة الأدبية سواء في الشعر أم المسرح، أو انفتاحها على فنون مجاورة كالموسيقى والفوتوغرافيا، وهو ما اعتبرته الهنوف تعددا للموهبة في شخصية سميرة عبيد التي ولدت بالشارقة، وشربت من مياهها البلورية تدفقات الإبداع في روحها، مذكرة بسيرتها العلمية والأدبية. واستهلت كلمة المحتفى بها الشاعرة سميرة عبد الله عبيد بتقديم خالص العزاء إلى دولة الإمارات المتحدة العربية قيادة وشعبا في استشهاد أبطالها البررة، الأبطال الذين يدافعون عن الحق في المعنى المؤجل، واعتبرت في ذات السياق أن «قدر الشعر هو أن يقاوم الـموت، وأن يروي حيواتنا بلوثة الجمال، من أجل أن ننكتب جميعا روحا واحدة في أجنحة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات العربية المتحدة، لتطير أرواحنا العطشى للصفاء عاليا في سماواته كي يصير المعنى مختلفا مقيما في الدهشة يشيد بروحه الملائكية جسورا تخفق حبا، وحلما، ووردا رغبة في منح الوجود اخضرار حقول الإبداع العربي، وتلوينه بالبهاء». وتضيف صاحبة «لحن بأصابع مبتورة»- في جوانح هذا الوطن نستظل بظل شوارقه المتحدة- اليوم وغدا- أوفياء لهذه الجسور حد وفاء السموأل، وهذا درس الاتحاد، درس لكل أدب حالم أنى توجهت ركائبه. كيف لي أن أقاوم بذرة الدم في شرايين قلبي. شاكرة في هذا المقام الأدبي الحاضرين الذين سافروا مع أصابع قصيدتها في لحنها المبتور، معترفة بأن اللحن اليوم ومع احتفاء الاتحاد به، وانتصاره له، يصير مكتملا في حضرة الإمارات العربية المتحدة التي تمنح للثقافة العربية والإنسانية مكبرات صوت عالية كي يسمع الكون لغة واحدة لا للكراهية لا للعنف لا للحقد، لا للإرهاب. نعم للحب والحلم والحياة والقصيدة والموسيقى... نعم للوطن العظيم. وألقت الشاعرة سميرة عبيد في هذا المحفل الأدبي نصوصها الشعرية بدء من قصيدة لم تنشر بعد، وهي من ديوانها الثالث المخطوط الذي يدور عن تجارب السفر في وسمتها بـ«المشي على رمال متحركة من قطر إلى إماراتنا العربية المتحدة»: أمشِي كل صباح/ في ساعات الفجر/ تـمسح الشمس طريق/ الصحراء/ تـخبرنـي الشمس عن الربع الـخالي/ عن أبواب العبور/ أنا العابرة. وفي قصيدة «قصر السراب» تقول: أرى سماء الروح في الحلم تخضر/ أرى ندف الرمل في العين تحمر/ لا تعنيني الزوابع المتحركة في الرمل/ لا تعنيني الزواحف المتربصة في الرمل/ أعبر/ في أقل من دقيقة/ إلى جنة الماسات/ أحدث صديقتي بهذه القصيدة/ في خيالي/ جربي حظك في الشرود قليلا/ حتى ترين كيف تسافر الناقة/ وحيدة/ دون حراس الحدود/ دون جواز سفر/ هنا في الربع العالي/ حبة رمل تمشي إلى جنة الحب/ أمشي وقلب القصيدة/ قافلة للحياة من قطر إلى إماراتنا العربية المتحدة«، كما قرأت الشاعرة المحتفى بها نص»نوتة«من ديوانها الأخير»لحن بأصابع مبتورة«: أتحسر عليك/ ما هي الحسرة؟/ شوكة أرسلتها الحياة/ إلى الحياة/ دمعة تحكي لون الأخضر/ في صخب البحر/ لون بحر أزرق لدمي / بين روحي وقلبك/ هذا المهد المتوحش / حالما بعين البنفسج/ في جذور الهمس/ يضيق العطر في النحر/ تتنهد ذاكرة الماء بالماء/ تتحسر عليَّ/ في الماضي/ كنت أعزف نوتات/ كما أوزع الآن مقطوعاتي/ مقطوعاتي هن الآن بلا ثمن/ نوتاتي هن الآن أكثر قلة/ الآن أعزف نوتاتي فقط/ عندما يغتالني الموج. وأعقبت القراءات الشعرية نقاشات ثقافية راقية تفاعل معها الحضور والحاضرات حول المشهد الثقافي في دولة قطر ودور وزارة الثقافة، والحراك الثقافي في الحي الثقافي كتارا بمنشآته وبياته التحية المرتبطة بقدرة الحي على احتضان كبريات التظاهرات الثقافية، كما تحدثت في هذا السياق المخصوص عن تجربتها في فن الموسيقى بوصفه فنا يمنح أعطاب الروح مساحات جديدة لرتق الداخل، إنه فن يتجاوز الذات الإنسانية ليجعلها تحلق بعيدا عن واقعية الواقع بإحباطاته وتناقضاته. أما عن المسرح فاعتبرت أن الكتابة من داخل إمكاناته تسمح لها بأن تحاور الهامشي فينا، ونظرتنا له، وقدرتنا على خلق درامية تسعى إلى بناء أفق آخر للمعيش على نحو جمالي مفارق، وأشار الأديب والشاعر حبيب الصايغ تبعا لهذا الحوار الراقي إلى الأثر الذي يخلقه الحوار الثقافي في ردم الهوة بين المجتمعات، وبناء الوعي الجمالية بوصفة إمكانية من إمكانات تحصين الذات من انزلاقاتها نحو الهاوية، هاوية التفكير الواحد المنغلق الذي لا يستطيع بأي حال من الأحوال خلق شخصية عربية متوازنة في الحضور وفي الغياب، ذلك تفعيله يدخل ضمن هذا الأفق الذي نسعى إليه جميعا، معتبرا أن الشاعرة سميرة عبيد تمثل هذا التعدد في شخصية المبدع بعيدا عن منطق الحدود ومسألة الأجناس بما تفرضه على المبدع من قيود أظن أن الإبداع وحده من يملك أسرارها، ولا يمكن للناقد أن يحددها؛ لأن المبدع هو من يبدع حدودا جديدة للنص، وللمعنى، فأن تعزف الشاعرة على خمس آلات وترية، وأن تكون صاحبة موقع افتراضي مهم هو»مملكة البنفسج»، وأن تبلور من داخل هذه التجربة الافتراضية إبداعا ثقافيا يضم عشرات المثقفين والفنانين في العالم العربي التي ستكلف بتأسيس صالون كتارا البنفسجي للآداب والفنون والثقافات-غير عابئ بتلك الحدود والأنواع- في سائر المجالات سواء أكان شعرا أم قصة أم مسرحا أم إخراجا أم رواية أم تمثيلا أم نقدا أم موسيقى أم فوتوغرافيا أم تشكيل يعد إبداعا حقيقا في ثقافة الانفتاح، كما أشاد الحبيب الصايغ بالآلية التي سينهجها صالون كتارا البنفسجي للآداب والفنون والثقافات في إيصال رسائل هادفة بين المبدعين والمبدعات من خلال منبر الصالون والتغطيات الإعلامية الواسعة له في جميع نشاطاته المتعددة، وعلق الشاعر المبدع محمد البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة بوصفه واحدا من الأعضاء الفاعلين في هذا الصالون الثقافي بما يعززه من قيم جمالية انطلاقا من تضافر هذا الجهد الجماعي المبارك، وأسهبت الشاعرة ساجدة الموسوي العراقية المقيمة في الشارقة بنجاح تجربة الصالون على نطاق شاسع بقدرته على تجاوز الحدود الضيقة، والسير بأنشطته إلى المغايرة، والرغبة في التعريف ببعض الأسماء الثقافية العربية، وإنتاج خطاب نقدي وجمالي يضيء أفقها الكتابي والإبداع، كما تميز اللقاء بحضور الشاعر أنور الخطيب، والفنان التشكيلي السعودي عبدالعظيم الضامن، والدكتور منصور جاسم الشامسي أمين السر العام لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع الشارقة، والإعلامي المبدع جاسم الجسمي صاحب برنامج البيت، والكاتبة سحر أبو العينين من الشارقة، وقد اختتم الامسية بقراءة شعرية للأديب والشاعر حبيب الصايغ أربعة أبيات تناول فيها العلاقة الحميمة التي تربط بين قطر والإمارات العربية المتحدة تألق في نحت صورها الجميلة في مخيلة الحضور النوعي الذي صفق طويلا معبرا عن إعجابه بما قرأه من جمال ونقاء للقلوب الوفية التي لا تزعزعها المحن، ثم قام بتكريم الشاعرة، وتسليمها درع الاتحاد تقديرا من مجلس الادارة.