مع انقضاء 46 عاماً على وصول الإنسان إلى القمر للمرة الأولى، وبدء عصر غزو الفضاء بمعناه الحقيقي، تتوالى التطورات التي تمهد الطريق لاستقرار الإنسان المحتمل على أكثر من كوكب، ولتحقيق هذا الهدف، يبحث العلماء في تحسين شروط السفر إلى الفضاء التي من شأنها تسهيل مهمات السفر وتمديد الفترات التي يقضيها الرواد في مختلف المهام الفضائية، فضلا عن تحسين ظروف السفر، وخاصة تلك التي تتعلق بالملبس والمأكل. وذكرت مجلة نيو ساينتست العلمية المتخصصة، في تقرير حديث لها، أن العلماء يسعون إلى تطوير أماكن النوم وتحسين طبيعة الغذاء وطرق نقله، وفي هذا الشأن يقول تشارلز كوكل عالم الفضاء في جامعة أدنبرة في بريطانيا: الاهتمام بالجانب الإنساني في الفضاء سيكون مهما على غرار أهمية الإنجازات العلمية والتقنية، ويضيف إن الوقت حان كي يوسع العلماء نطاق معارفهم في الفضاء ويدرسوا العلاقة بين الإنسان والظروف المناخية الصعبة للتوصل إلى مجموعة قواعد تحول دون فشل المهام الفضائية، ويشير العلماء إلى أن الاختبارات التي تم إجراؤها في هذا الشأن دللت على أن من غير الممكن الاعتماد دائماً على الخبرة والتدريب لإنجاح المهام الفضائية. تأثير الأجرام السماوية مهمة ناسا، التي بدأت في مارس الماضي ويتوقع أن تستمر عاما كاملا، طورت المهام الفضائية ورفعتها إلى مستويات أعلى، على الرغم من أن هذه المهمة التي يقودها رائدا الفضاء الروسي ميخائيل كورنينكو والأميركي سكوت كيلي لن تكون أطول من المهمة الفضائية التي نفذها رائد الفضاء الروسي فاليري بولياكوف التي استمرت نحو 438 يوما التي انطلقت من محطة الفضاء الروسية إم أي آر منذ عام 1994 واستمرت حتى عام 1995، وخلال المهمة الحالية سيجري رائدا الفضاء تقييمات مستمرة لحالتهما النفسية والجسدية. وعبر تفحص خلايا الدم واللعاب سيتمكن الرائدان من استنتاج الوقت الممكن قضاؤه في الفضاء عبر تفحص العوامل الجينية، ومنها على سبيل المثال كتلة العظام والدم وأنماط النوم وصحة الأوتار الصحية، وللتأكد من صحتهما العقلية سيدرس الرائدان تأثير الجاذبية الأرضية والحرمان من النوم على السلوك، ويجب أن تحدد هذه التدابير كيف يشعر رواد الفضاء في البيئة الفضائية، لأن أخذ الإنسان إلى الفضاء يعتبر تحديا على مختلف المستويات. وتعمل وكالة ناسا حاليا على تمويل تطوير تقنيات يمكن ارتداؤها وتساعد على تنظيم العلاقة مع رواد الفضاء الآخرين. ويعمل الفيزيائي ستيف كوزلوسكي في جامعة ميتشغان على تصميم مجسات يمكنها إدارة مجموعة المتغيرات، بما فيها حركة رائد الفضاء ونشاطه الصوتي وانتظام دقات القلب والتفاعل مع الآخرين مباشرة، كما ستتم دراسة الصوت عبر خوارزميات تدرس ديناميكية الفريق، ويتمثل الهدف في إعطاء رواد الفضاء فرصة كي يدرسوا ردود أفعالهم في الفضاء، وكيفية إدارتها. ويجب أن تصمم نُظم دعم الحياة على سبيل المثال، بحيث يمكنها احتواء فقدان الضغط أو تسرب الأكسجين من دون التأثير على حياة رواد الفضاء، ويشير الخبراء إلى أن ضمان بقاء الرواد على قيد الحياة يجب أن يكون مسؤولية الجميع، وأي نشاط سواء كان متعلقا بتنظيف الفضاء أو الإبلاغ عن الاكتشافات العلمية يجب أن يطور بشكل مستمر، ويقولون إن ارسال أحد الأشخاص إلى كوكب المريخ سيكون مكلفا جدا، لذلك سيتم ارسال المَهرة فقط في حال أدركوا أن الفوائد توازي التكاليف، ويتعلق الأمر بالمسؤوليات والحقوق لأن أي خطأ أو ضرر في هذا المجال لا يمكن اصلاحه. الحقوق الإنسانية ويقول العلماء إنه عندما يتعلق الأمر بالحقوق الإنسانية، فإن المسؤولية ستكون كبيرة جدا، فهناك نظم قانونية مقررة ووكالات أممية متخصصة مع هيئات عامة للتأكد من حفظها، وتقول الوكالات الأممية إن هيئة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية الفضائية لها دور اساسي في صياغة معاهدة الفضاء الخارجي للعام 1967. ووضعت هذه الاتفاقية متعددة الأطراف بعض البنود القانونية، منها منع أسلحة الدمار الشامل ومنع الدول من ادعاء سيادتها على الأجرام السماوية، وتقول جوانا غابرينوفيتش، محررة صحيفة جورنال أوف سبيس لو: إن التوجه إلى الفضاء يعد فرصة للبشر لتجنب تكرار بعض المشكلات ذات النتائج الكارثية، مثل استعمار أميركا الشمالية وغيرها من القارات والاستيلاء على الأراضي وتجاهل حياة السكان الأصليين. وعلى الرغم من الصعوبات إلا أن بعضهم يعتقد أن الهجرة الجماعية نحو الفضاء أمر مهم جدا، بحيث تنطوي على التكيف مع القواعد الموجودة وصولا إلى ما وراء احتياجات استعمار الفضاء. الهجرة الجماعية يدرس رائدا الفضاء كورنينكو وكيلي في الوقت الحالي كيف ستبدو عليه شكل الحياة في حال ترك الإنسان الأرض، فالجهود البشرية الجماعية قد تسفر يوما ما عن التمهيد لتقنين مجموعة من الحقوق التي افتقر اليها من استوطنوا مختلف المناطق على كوكب الأرض وفي مقدمتها الراحة وحقوق الإنسان.