(الهجوم الإرهابي على مسجد قوة الطوارى بعسير كمثال) يمكن أن نورد مئات الأحاديث للتدليل على حرمة من يفكر مجرد تفكير بان ينتحر انتحارا بمعنى يقتل نفسه لسبب احباطي أو نفسي او اجتماعي او أي من الأسباب، ناهيك عمن يفجر نفسه في إناس آخرين لا دخل لهم ولا ذنب اقترفوه. ولكن موضوعنا هنا ليس تلك الأحاديث على أهميتها وفاعليتها لكل من له لب، ولكننا لا نريد من له لب وفؤاد وبصيرة وفكر نير، فيكفيه حديث واحد فقط يهديه الى سواء السبيل. نريد ان نسبر اغوار ونفسية من يتعرض لتفجير الآخرين تحليلا وتداولا وحتى ولو تكهنا، حيث نقول ربما لأن النفس البشرية تكاد تكون اعقد من يمشي على الأرض. وإلا لماذا قتل قابيل اخيه هابيل! وعموما فلن نطيل عليكم في تلمس بعضا من هذه الأسباب المختلفة زمانا ومكانا وشانا ومصلحة الى غير ذلك وعلى النحو التالي: أولا: شخصية المفجر قيادية ام منقادة؟: شخصية من يفجر نفسه غالبا ما تكون منقادة وليست قيادية، كما يظن البعض للوهلة الأولى، مستعضما اقدامه وربما عدم تردده، وإن لم ندخل في اعماقه قبيل عملته البغيضة بحق. ولا يمكن حتى مع قوة اقدامه على عمله الشنيع ان نقول عنه انه يتمتع بالشجاعة، والجرأة والتحفز والصبر، كل هذه لا نظن انه يتمتع بأي منها، مع أنه يبدوا في اعين الناس ولدى من ارسله كذلك، إذا افترضنا ان من وراءه هم من أرسله، ولم ياتي من تلقاء نفسه، إلا انهم استغلوا اي مرسليه صفة انه منقاد وليس قائد. ثانيا: دور اليأس والاحباط: يتمتع من يقدم على هذه الأعمال ربما بشىء من اليأس والاحباط في عموم حياته، وهذه لها أسبابها التي يصعب مناقشتها هنا، لأن الاحباط له مصادر عدة، ويحتاج الى بحوث نفسية، لأنه ليس كل احباط يحمل الشخص على ان يفجر نفسه، فهناك اشياء كثيرة تمنع الشخص عن ان يعبث به الاحباط تتعلق بالأديان ومدى الثقة في النفس والمحيط الطيب والأهل واشياء إيجابية بالطبع لاحصر لها. ثالثا: الضغوط المادية: يخضع البعض الى ضغوط مادية ولا يعني انه يجب ان يكون فقيرا معدما، ولكن إغراءات المادة تكون كبيرة عليه من ان يتحمل رفضها، صحيح يكون وقعها على الفقير المعدم اكبر، ومن ثم الفقير ومن ثم متوسط الحال ونأتي الى الغني وربما يريد ان يستغني اكثر. رابعا: وهذا لا يتناقض مع انه عندما يفجر نفسه سيموت وبالتالي فلا فائدة من المال الذي خبأه او يجنيه او سيجنيه أيا كانت درجة الحاجة الى المال، او مدى تطلعه له بصرف النظر عن مستواه المادي. لماذا لأنه ربما يتمتع بهذا المال ردحا من الزمن قبيل او قبل اقدامه على عملية التفجير. خامسا: دور المشاكل الزوجية: احيانا ربما المشاكل الزوجية الحادة لها بعض التأثير على مجريات سلوكه فيكون انتحاره ردا على ذلك او تخلصا من تلك المشاكل، وورد في الاخبار شيئا من ذلك قصة الشخص الذي اخذ ولديه إلى سوريا من امهما المختلف معها، على ذمة الخبر. سادسا: المسائل الدينية: نأتي الآن على المسائل الدينية، والموضوعات التي اصبحت الشغل الشاغل لدى بعض الخطباء جزاهم الله خيرا، وهي مسألة تكرار موضوعات حور العين، في الجنة؛ ومع ان القرآن الكريم قد تعرض لها ولا نناقش وجودها من عدمه هنا بل نتركه لأصحاب التخصص إلا ان بعض المتعمقين في هذه المسألة ذكروا وعلى مسؤوليتهم أمثال الدكتور علي الكيالي أن القضية فيها نظر وأن الحور العين هن بنات صغيرات السن غير مؤهلات للزواج من أي شخص وانهن صحيح جميلات وربما هناك من يختارهن على زوجته حتى ولو جاملها في الدنيا ولكنهن بالمقابل مجرد خادمات للجميع للنساء وللرجال على حد سواء، ولسن للمتعة الجنسية. إذا اقفلنا هذا الموضوع أمام وجه من يكون ديدنه يريد ان يفجر نفسه، لهذا الغرض بالذات. ولكن فقط لمن يتدبر وليس لمن اخذ النصوص على علاتها. سابعا: مفاتيح الجنة: في الحرب العراقية الإيرانية علمنا في معظم وسائل الاعلام عن ان رأس النظام الديني الإيراني هناك يعد المحاربين بمفاتيح الجنة إذا كانت الرواية في مجملها صحيحة، فهذا يتداخل مع الفقرات السابقة، وهو قوة التأثير وان الشخص المرسل مستقبل فكر، زد على ذلك تغلغل الفكر الديني في أعماقه. بالطبع الفكر الديني المنحرف والفهم الخاطىء للنصوص ولويها على هواه. ثامنا: الهدف البديل: مسألة هامة جدا وهي أن البعض يبلغ من عدائه لخصمه ان يفترض أن كل من ينتمي إلى هذا الخصم هو عدو ايضا متناسيا او مفترضا او متجاهلا او لزيادة جرعة الخبث فيه ان يعتبر كل من هم حول الشخص المتعمد إيذائه اشخاصا او مؤسسات او دول، هم اعوان له بمعنى أنه لا يتردد في إيذاء الشرط والمعاونين والحراس والتجمعات السكانية وكل ما يستطيع الوصول إليه بحجة أنهم اعوان الخصم ويشكلون ذراعا للسلطة المستهدفة، مع انهم ليسوا سوى أبرياء يكسبون قوت عيشهم من هذه الأعمال ولا ناقة لهم ولا جمل فيما يحصل، وتفسير ذلك هو عجزه عن وصول هدفه لقوة الممانعة والحراسات المشددة، والتي تخفق احيانا، لذا يجب الحذر، وتفجير مسجد الطوارىء في عسير ربما مثالا واضحا على ذلك، الذي كلما تذكرناه لا نستطيع ان نحبس دمعة تنزل قسرا من أعيننا تألما لما اصاب على الأقل امهات وأهل هؤلاء الزهرات من الجنود تغمدهم الله بواسع رحمته. تاسعا: الشهرة: ربما يستغرب البعض من أنه كيف لمن ينتحر او يفجر نفسه تكون هناك شهرة من اي نوع وكيف له أن يتمتع بهذا الشهرة بعد مماته وخروجه من هذه الحياة والشهرة غالبا يسعى لها المرء مادام متعلقا بأطراف الحياة والبقاء حتى يزهو بها على اقرانه من الناس. نعم هناك شهرة بعد الموت هذه متخيلة بان الآخرين سوف يضعونه في مصاف الأبطال، وهنا شاهد من التاريخ حيث يذكر أن ابا جهل نصح ابا طالب عم المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يحاول مع عمه ان ينطق بالشهادتين فكلما هم ابا طالب بالنطق بهما اعترض عليه ابا جهل قالا: ماذا تقول عنك العرب بعدما تموت، صبأ إلى دين محمد، او كهذا قال! عاشرا: الحياة العامة التي يعيشها: للحياة العامة التي يعيشها الشخص اكبر التأثير حتى إذا عزلنا المسائل التي تطرقنا لها اعلاه من منطلق غالبا ما يكون شخصا انعزاليا لا يحب الناس وربما يكره الناس، وتكتنفه روح الزهد لنقل الزهد الديني والزهد الاجتماعي والنفسي والعاطفي بمعنى لديه بعض او كل الجفاف في المشاعر تجاه الناس وعدم الثقة باحد وانه لاشىء يساوي هذا العناء في هذه الحياة وهذه حالة تجتاح بعض الطلبة قبيل الامتحانات خاصة ممن لم يستعدوا ولديهم احساس بالتقصير من قبلهم او انهم لم يستوعبوا المادة وهذه تزول لو فهم عليهم استاذهم مثل هذه الحلات، وهنا يبرز دور المشرف التربوي شبه المعطل في المدارس، ولا يزعلوا منا. فمن هو المشرف التربوي الذي زار تلميذا في بيته، وتعرف على مشاكله الشخصية والعائلية، ربما لا احد. احدى عشر: ثم نأتي الى موضوعات غسل الدماغ وهي ان يأتمر المرء بأمر شخص يسيره كيفما اراد واتفق وهذه حالة خطيرة تخرج او تزيد عن كل ما ذكرناه آنفا فهي اكثر من مسألة أنه منقاد بل هو بالفعل أكثر من ذلك نزيد عليها أنه لم يصبح له كيانا مستقلا نهائيا وهذه لا يصل اليها احد إلا إذا كان هناك شيئا ما غامضا في حياته يربطه بمن يسيره لافكاك منه البتة إما اخلاقي او سياسي او مالي او خلقي او جننسي وأقل القليل من هذا التأثير هو النفسي والعبودية المطلقة التي لايمكن صرفها إلا للخالق وهو الله جل وعلا. اثناعشر: مسائل المخدرات والعياذ بالله: نعم هذه تأثيرها ساحق وعاصف بذاتها ثم تأثيراتها إذا ما ارتبطت بأناس آخرين يسيرون الاداة الى أهدافهم ايا كانت مادية او سياسية تنتهي بتفجير الخصم لهذا السبب إو ذاك، وهي التي ظهرت أخيرا في المسائل السياسية أكثر نماذجها مشاكل المخدرات في بوليفيا وكولوميا وعجز تلك الدول عن مكافحتها مما اضطرها الى الاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية مع عدم محبتهم لها، وهذا يوضح عظم المشكلة. الخلاصة: نخلص من ذلك أن المسألة يجب ان تحارب من جميع النواحي: 1- الدينية والتشدد والتنطع الديني الزائد عن الحاجة تحت لافتات مؤثرة وفاعلة من الوسطية السمحة، أي معالجة فكر بكفر وبرامج المملكة في المناصحة خير انموذج فاعل على الارض. 2- الانتباه الى مايغري الشباب من عوز وفاقة احيانا وتأثيراتها السلبية ومعالجتها اولا بأول وعدم التهاون بها، بدأ بمن يبيع في الشارع تحت درجة الحرارة 45 درجة مؤية. 3- البطالة هذه هي السم الزعاف والتي تهدد المجتمعات يجب عدم التهاون بها لأنها ربما تكون رافدا كبيرا للإنحراف.. 4- تقوية الشعور بالانتماء الوطني بطريقة ليس بالضرورة ان تكون ذات كلفة عالية كإقامة المباني والمقرات الكبيرة، حتى لايستغلها التجار الكرام بل بطريقة حرفية تجعل الشاب يقدس وطنه ولا حتى يجرؤ على رمي عقب سيجارة في الشارع فكيف به يفكر في الانتحار او تفجير نفسه ايا كان الهدف، او التأثير الذي يوقع عليه، نرجو أن نجد اختراعا على هذا المستوى. 5- ثم دعوة التجنيد التي أطلقها مشكورا بعض الشيوخ الفضلاء للشباب لو فعلت جيدا وبرواتب مجزية لاتجد شابا يمشي في الشارع دون حاجة ابدا إلا إذا كان ذاهبا الى عمله او قادما منه كم من الضبط والربط يحصل، كم من الشر المستطير ان نجنبهم، عندها لن يستطيع ان يشمت احد بسعوديتنا ولن يجرؤ كائنا من كان ان يصمها بالإرهاب. اخيرا ربما ما كتبناه من استنتاجات مجرد تكهنات كاتب. ولكنها من قلب محب لهذا الوطن، في عقده السابع، آلمنا كثيرا بحق ماحدث، نجزم بأنه يمكن أن يستفاد منها وقابلة للتطبيق والأمل معقود على كل المخلصين وهم كثر، والله من وراء القصد. * الدكتور ابراهيم بن عبد الرحمن الجوف الخبر