انتهت جلسة مجلس الوزراء اللبناني أمس، برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام من دون أن تتخذ أي قرارات، لا سيما في خصوص جمع النفايات ومعالجتها. وشهدت الجلسة سجالاً كان بمثابة نسخة طبق الأصل عن السجالات السابقة، دار بين وزيري «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون، جبران باسيل وإلياس بوصعب، وبين الوزراء الآخرين، باستثناء وزيري «حزب الله» محمد فنيش وحسين الحاج حسن، اللذين جددا تضامن حزبهما مع حليفه داخل الحكومة وخارجها بلا أي تحفظ. وتميزت الجلسة بمقارعة بين باسيل وبوصعب من جهة وبين الوزير رشيد درباس، على خلفية قول الأول في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته بيروت، إن «إيران تحمي الأقليات في المنطقة ونحن وإياها في خندق واحد في هذا المجال». كما تميزت بإصرار وزير المال علي حسن خليل على دق ناقوس الخطر محذراً من أن لا رواتب للشهر المقبل للعاملين في القطاع العام ما لم يصر الى نقل أموال من الاحتياط لتأمين صرفها، وتحذيره من التأخر في الإجازة له بإصدار سندات خزينة بـ «اليوروبوند» لما يترتب عليها من تداعيات سلبية على سمعة لبنان المالية لدى المؤسسات الدولية. وعلمت «الحياة» أن درباس كان نجم الجلسة، وتقدم بمداخلة بعد تحذير وزير البيئة محمد المشنوق من التلكؤ في إيجاد حل لمشكلة جمع النفايات ومعالجتها بتوفير المطامر لها، وطلب تأمين سلفة خزينة تتيح للوزارة تأمين الحلول الموقتة لها. وقال درباس في مداخلته: «لم يطلب مني أحد أن أقول ما سأقوله في مجلس الوزراء، ورغبت في أن أتحدث إليكم بصفتي مواطناً لبنانياً تربيت تربية وطنية ولا أعرف المذهبية ولا الطائفية، وبالأمس سألني ابني ماذا يحصل ولماذا يقومون بهذه الأعمال». وتوجه إلى باسيل وبوصعب قائلاً: «من حق «التيار الوطني الحر» التعبير عن رأيه وحشد الألوف والمليون بعد أن تعودنا على المليونية، أنا لا أتوقف أمام الأعداد، لكن ما لفت نظري ما قاله أحد النواب من «التيار» عن الرئيس الراحل رفيق الحريري من أنه حرّر لبنان من الحرية والكرامة، ألا يخاف هذا النائب أن يخرج الحريري من قبره ويقول له: عيب عليك تحكي هذا الحكي». وتابع درباس في تعليقه على رفع متظاهري «التيار الوطني» راية تحمل شعار تيار «المستقبل» كتب عليها «الدولة الإسلامية إمارة لبنان». وقال: « ليس من الضروري أن يكون الداعشي ملتحياً، بل يمكن أن يكون «أصلع» مثلي أنا أو مثل تمام سلام أو ألان حكيم، وكنتم هجمتم على الرئيس نجيب ميقاتي بصفته أصلع، ولا أعرف إذا كانت لديكم أسباب أخرى». وخاطب درباس باسيل: «أنت وزير خارجية حشرت الوزير ظريف بصفته نجم سلامٍ، وقلت له أنت زعيم الأقليات في المنطقة. تعال لنتحالف معاً. أنت انزعجت من وزير الدفاع لأنه أصدر قراراً بتأجيل تسريح ثلاثة ضباط من الجيش ولم يتشاور معك، فهل تشاورت في مواقفك التي أدت الى تخريب العلاقة مع الدول العربية الشقيقة؟». وسأل درباس: «لماذا لم تتشاور قبل أن تقول هذا الكلام مع رئيس الحكومة؟». فرد باسيل: «رئيس الحكومة يطلق مواقف في كثير من المرات من دون أن يتشاور معي»، فقاطعه درباس: «إنه الناطق باسم الحكومة ولا أعتقد أن المواقف التي صدرت عنه تسيء الى علاقات لبنان بالدول العربية». وتابع درباس: «مشكلتك يا جبران مع الطائفة السنية وليس مع داعش، فهل لديك حل لها والأكثرية رونقها الأقليات، ولا وجود للبنان من دون دور للمسيحيين، ومثلما قال سعد الحريري في السابق: لن تجد على هذا المتراس من يجاريك في مواقفك». وأضاف: «كنا ننتظر منك أن تدعو للتعاون لتحضير أنفسنا لتأمين انتقال قسم من النازحين السوريين الى قراهم فور إقامة منطقة آمنة في حلب بدلاً من أن تنشغل في منع تسجيل الولادات السورية في لبنان، على رغم أن المفوضية السامية العليا لشؤون اللاجئين لم تدعم موقفك الذي لم تتشاور فيه مع رئيس الحكومة». وهنا رد جبران: «هناك من يخطط لتوطين الولادات السورية في لبنان ومن يرفض أن يعطي المسيحيين حقوقهم ويصرّ على أن يتنكر لها». وتدخل الوزير أكرم شهيب وقال: «بات من المؤكد أننا أصبحنا في مرحلة نهاية الوطن، لأن ما نسمعه هو غريب عن تقاليدنا وعاداتنا وأدبياتنا». ثم رد الوزير نبيل دي فريج على باسيل: «أنتم تحدثتم عن دولة داعش وأنا في تيار المستقبل وجزء منه، ولا أفهم كل هذه الافتراءات التي لا يأخذ بها أحد وترتد على من يطلقها». وتدخل الوزير نهاد المشنوق وقال: «كل يوم تتحدثون عن داعش أو غير داعش. أنتم من ترفعون اللافتات ضد «المستقبل»، وأقول لكم: نحن من تصدى لداعش والمجموعات الإرهابية المتطرفة وحاربنا كل هذه المجموعات وهزمناها ونستمر في مكافحتها، كفى مزايدة لا تصرف في أي مكان. وإذا كان لديكم من مشكلة فهي ليست عندنا، وهي مع الحكومة ككل، وتعيين شامل روكز قائداً للجيش أو انتخاب رئيس للجمهورية مكانه خارج مجلس الوزراء وليس هنا، فلنكف عن تضييع الوقت». حرب سيعكتف ولفت الوزير بطرس حرب الى أن «مجلس الوزراء يخصص لاتخاذ القرارات ولزيادة الإنتاجية والناس تنتظر منا أن نلبي حاجاتها ونحن لا نحضر الجلسات للاستماع الى مرافعات من هنا أو هناك، ومن لديه إصرار على أن يسمعنا هذه المرافعات أطلب منه أن يدلي بها في الخارج، وإذا استمررنا في عقد جلسات بلا نتائج فأنا أفضل عدم حضور الجلسات». وأضاف: «هناك من يتحدث عن 4 مرشحين أقوياء لرئاسة الجمهورية، وأنا أقول ليس من بينهم مرشح واحد يرضي الآخرين، وهناك من يشترط حضور جلسات انتخاب الرئيس لانتخاب مرشحه وإلا سيبقى يقاطعها. ولا أود العودة الى ما كان يحصل في السابق بخصوص التمثيل المسيحي. وكيف كان يتم إلغاء الآخرين». وهنا رد بوصعب بقوله: «مش نحن عملنا نواب ووزراء خلال تلك الحقبة». فقاطعه حرب في محاولة للتوضيح، لكن بوصعب تابع كلامه وقال: «لم أقصد الوزير حرب لكن كل واحد في مسلة تحت باطو بتنعرو. على كل حال سنستمر في حضور الجلسات طالما نتلقى الدعوة الى حضورها». وتحدثت الوزيرة أليس شبطيني وقالت إن «المشكلة هي عند المسيحيين لأنهم لا يعرفون كيف يرتبون بيتهم ويديرون شؤونه، ولا يجوز أن نرميها على الآخرين». فيما أكد الوزير روني عريجي أن «تيار المردة مع الطرح الوطني ضد الطائفي، وأن لا علاقة لنا بأي طرح مذهبي أو ما يؤجج الصراع المذهبي ويحدث فتنة بين اللبنانيين». وأيد الوزير سجعان قزي المطالعة التي أدلى بها درباس وقال: «فلنحدد جلسة واحدة تخصص لدرس آلية إصدار القرارات في مجلس الوزراء على أن ننتقل بعدها للبحث في جدول الأعمال، لأن من غير الجائز أن نبقى ندور في حلقة مفرغة والناس تنتظر منا أفعالاً لا أقوالاً». وعاد بوصعب إلى الحديث عن حقوق المسيحيين وعن الخطر الذي يتهددهم. فرد درباس: «لو كا ن المسيحيون في خطر لكان البابا تدخل فوراً وأعلن حال الاستنفار». لكن بوصعب رد بقوله: «لا أسمح لأحد أن يأتي على سيرة البابا»، ووجه كلامه الى درباس: «أنت تتعرض منذ أكثر من شهر الى «التيار الوطني» فلا تستغرب أن يقوم أحد ويتعرض لك ويرد عليك». وتدخل باسيل بقوله: «تريد أن تحاسبنا على لافتة هنا وكلمة هناك؟»، فرد عليه درباس بقوله: «من قال هذا الكلام عن رفيق الحريري هو نائب». «أنتم اول من خرق القاعدة» أما الوزير أشرف ريفي، فقد أدلى بمداخلة أيد فيها كلام درباس وسأل باسيل وبوصعب وآخرين من الوزراء: «تحضرون في كل مرة الى هنا وتتحدثون عن الأحجام والأوزان وتصرون على أن يعين منكم قائد للجيش وأن ينتخب عون رئيساً للجمهورية. وأنا لا أعرف من يصادر حقوق المسيحيين، وأظن أنه لا يحق لكم أن تطالبوا باحترام الأوزان والتمثيل الشعبي، لأنكم أنتم أول من خرق هذه القاعدة وتجاهل الأوزان في الطائفة السنية وكنتم وراء الانقلاب الذي أطاح الرئيس سعد الحريري لمصلحة الرئيس ميقاتي». ورد الحاج حسن: «كلنا نعرف ماذا قمتم به في يوم الغضب اعتراضاً على ميقاتي رئيساً للحكومة»، لكن ريفي تابع وقال: «البادي أعظم، وأنت تتجاهل أصحاب القمصان السود والتظاهرات التي نظموها اعتراضاً على تسمية الحريري رئيساً للحكومة، وضغطتم لتأجيل الاستشارات النيابية من أجل تمرير هذه المؤامرة». ورد ريفي على كلام باسيل حول تأجيل تسريح الضباط وقال: «إن تأجيل التسريح حصل للمرة الأولى في حكومة ميقاتي، ونحن لم نكن شركاء فيها ولم نسمع في حينها أي اعتراض من التيار الوطني. والآن تجعلون من هذا التأجيل قضية». وتدخل بوصعب وقال: «لكن الحكومة كانت مستقيلة ونحن اعترضنا»، ورد ريفي: «لم نسمع منكم اعتراضاً بحجم تأجيل التسريح». فيما عاد حرب الى التأكيد أنه يرفض أن يكون من الآن وصاعداً شاهد زور في الحكومة، وقال: «لن أحضر الجلسات إلا إذا كانت مخصصة للنظر في جدول الأعمال دون أمور يراد منها مضيعة الوقت والابتزاز، ومن لديه كلام آخر فليقله خارج الجلسات». وكان مجلس الوزراء عقد جلسة عادية في السراي الكبيرة دامت ثلاث ساعات افتتحها الرئيس سلام كالعادة بدعوة القوى السياسية الى «إنجاز الاستحقاق الرئاسي»، مشيراً إلى أن «الشغور في موقع رئاسة الجمهورية بات يلحق أضراراً كبيرة بالبلاد». وقال سلام وفق وزير الإعلام رمزي جريج الذي تلا المقررات: «ما زلنا للأسف نعيش في دوامة التعطيل، الأمر الذي ينعكس عجزاً في القدرة على اتخاذ القرارات في شأن الأمور الضاغطة، وأبرزها في الوقت الراهن موضوع النفايات والموضوع المالي المتعلق بالهبات والقروض التي يتعين إقرارها وكذلك بالرواتب وبسندات الخزينة». وأضاف: «ما زلنا نسعى إلى إيجاد حلول لمشكلة النفايات التي صار لها للأسف لون طائفي ومذهبي ومناطقي». وقال: «هذا الموضوع موضوع وطني بامتياز، ولن يجد حلاً إلا بإجراءات وطنية يشارك فيها الجميع، وليس عبر تجاهله أوعدم إعطائه الأهمية التي يستحق أو استغلاله سياسياً». وأكد سلام أن «هذا الموضوع سيبقى مستعصياً طالما بقي المناخ السياسي العام في البلاد على ماهو عليه»، مشيراً الى «ان النتائج السلبية للشغور الرئاسي باتت تظهر أكثر فأكثر من خلال شل عمل المجلس النيابي والشلل الذي يتسلل الى مجلس الوزراء»، وداعياً الى «تجاوز خلافاتنا والخروج من هذا الواقع واتخاذ القرارات المطلوبة في الأمور الحيوية والملحة». وبعد هذا العرض، أبدى الوزراء آراءهم في مجمل المواضيع التي تناولها سلام، وجرت مناقشات مستفيضة حول كل المواضيع ولم ينته مجلس الوزراء الى اتخاذ أي قرارات. وعن مناقشة موضوع التعيينات الأمنية، قال جريج: «حصل نقاش حول التعيينات وأبدى أحد الفرقاء تحفظه حول قانونيتها. واعتبر فريق آخر ان هذه التعيينات في ظل عدم اتخاذ مجلس الوزراء أي قرار بصدد تعيين القادة الأمنيين كان بإمكان وزير الدفاع أن يؤجل تسريح الضباط». وقال رداً على سؤال: «لم تُعلق الجلسات، وإنما هذه الجلسة انتهت من دون قرارات وسيتخذ الرئيس سلام الذي ينحصر به الحق بدعوة مجلس الوزراء للاجتماع وينحصر به ايضاً القرار الذي يراه مناسباً، وأعتقد انه سيدعو الى جلسة وربما الوزراء الذين يعطلون اتخاذ القرارات سيصيبهم نوع من صحوة الضمير». وعن وجود مبادرة للتسوية من خارج المجلس أجاب: «مجلس الوزراء وكما قال الوزير بطرس حرب ليس نادياً للنقاش بل هو مكان لاتخاذ القرارات من أجل تسيير شؤون البلاد والعباد، ومن هنا وطالما سيبقى مجلس الوزراء مكاناً للمناقشات السياسية وإبداء كل فريق وجهة نظره سيحول ذلك دون اتخاذ القرارات في المواضيع المتعلقة بالشأن الحياتي للناس. نأمل بأن يكون عمل مجلس الوزراء منصباً على تأمين القضايا الملحة التي تُلبي حاجات الناس». عواقب التعطيل على الجيش وبعد انتهاء الجلسة تحدث وزير الدفاع سمير مقبل، وقال: «في ظل شلل عمل مجلس الوزراء وعدم تمكنه جلسة تلو أخرى من اتخاذ قرارات، انا مضطر الى إطلاع الرأي العام على الضرر الذي سيطاول المؤسسة الوطنية، الجيش اللبناني، حول ما تحتاج اليه من اعتمادات لتأمين دفع رواتب ومستلزمات التغذية للعسكريين الذين يدافعون عن لبنان في مواجهة كل التحديات الأمنية، وهم متأهبون في كل المواقع للدفاع عن لبنان». وتزامن انعقاد الجلسة مع اجراءات مكثفة اتخذتها القوى الأمنية في محيط السراي فانتشرت قوات خاصة من أفراد مكافحة الشغب إضافة إلى آليتين لرش المياه، اضافة الى مؤازرة من وحدات للجيش اللبناني تجمعت خلف «اسكوا»، تحسباً لأي تحرك قد يحصل.