×
محافظة المدينة المنورة

إغلاق مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة

صورة الخبر

تأثرت أسواق العملات والبورصات الدولية على مدار اليومين الماضيين بالخفض الصيني لقيمة العملة، ورغم أن الصين سعت إلى طمأنة الجميع لكن أحدا لم يطمئن واستمرت الاهتزازات في الأسواق من جراء القرار الصيني. ويعد خفض اليوان رسالة من الصين للاقتصاد الدولي مفادها، أنه إذا أراد الاقتصاد العالمي أن يخرج من أزمته، فعليه أن يقبل بإخراج الصين من أزمتها أولا، بزيادة صادراتهم ورفع معدلات نموهم، فإن حدث ذلك زاد طلبهم على المواد الأولية والنفط، وأنعشوا معهم الاقتصادات الناشئة، وإذا ما تحسن وضع الأسواق الصاعدة اقتصاديا، فإن طلبها على منتجات البلدان الرأسمالية عالية التطور سيرتفع، والنتيجة – وفقا للمنطق الصيني – أن الطلب العالمي ككل سيزداد وسيتحسن وضع الاقتصاد الدولي. لكن من الواضح أن الأسواق الدولية وتحديدا البورصات العالمية في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لم تقبل بالمنطق الصيني، إذ انخفضت البورصات وتعرضت للخسارة نتيجة خفض العملة الصينية، والسبب بسيط للغاية لكنه شديد الفاعلية اقتصاديا، فخفض بكين عملتها يعني باختصار زيادة صادراتها على حساب الجميع دون استثناء. الدكتور كيفن اش أستاذ الاقتصادات الناشئة في جامعة بروملي يعتبر أن الصين لم يكن أمامها خيار آخر غير الإقدام على تلك الخطوة، مشيرا إلى أن حالة الصمت الرسمية من الاقتصادات الدولية قد تعني أن هناك تفهما لقيام الصين بما قامت به، لكنه يحذر من أن الموقف قد يتغير إذا واصل البنك المركزي الصيني خفض قيمة العملة الوطنية. وأضاف كيفن اش لـ "الاقتصادية"، أن الصين خفضت قيمة عملتها في اليوم الأول بـ 1.9 في المائة وفي اليوم الثاني بـ 1.6 في المائة، أي أن العملة الصينية خسرت تقريبا 3.5 في المائة من قيمتها خلال هذا الأسبوع، على أمل أن يساعد ذلك في زيادة الصادرات ومن ثم رفع معدل النمو، وعلينا أن نتذكر أن بكين لجأت إلى تلك الخطوة بعدما كشفت أرقام حزيران (يونيو) الماضي انخفاض الصادرات بنسبة 8.3 في المائة، وإذا كان ذلك سبب خفض العملة أول مرة، فإن بيانات الناتج الصناعي على الرغم من زيادته بنسبة 6 في المائة مقارنة بالعام الماضي، إلا أن معدل نموه كان أقل من النمو المستهدف وهو 6.8 في المائة، وهو ما دفع البنك المركزي إلى اتخاذ قرار بخفض قيمة العملة في اليوم الثاني. ويستدرك كيفن اش أن علينا أن نتذكر أن معدل النمو المستهدف في الصين 7 في المائة وعلى الرغم من أن الحكومة تعلن أنها حققت هذا المعدل خلال الربع الثاني من العام الجاري، فإن عديدا من المحللين المستقلين يشككون في هذا ويرجحون أن معدل النمو لم يزد على 4 في المائة. البروفيسور تشارلز ماي أستاذ الاقتصاد الصيني في مدرسة لندن للاقتصاد يعتقد أن رغبة الصين في زيادة صادراتها عن طريق خفض قيمة العملة قد يكون صحيحا نسبيا، لكنه يشير إلى مجموعة أخرى من العوامل يعتقد أنها أكثر أهمية بالنسبة للبنك المركزي الصيني عند اتخاذ قرار بخفض العملة. وأشار تشارلز ماي لـ "الاقتصادية"، إلى أن ما قامت به الصين خطوة استباقية وقائية لرفع المجلس الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة المتوقع في أيلول (سبتمبر)، التي يمكن أن تؤدى إلى انسحاب الاستثمارات من الصين، ما يعني مزيدا من تدهور الوضع، ونتيجة للخطوة الصينية أتوقع أن يقوم الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة قريبا إلا أنها ستتأخر بعض الوقت، لأن شرط المركزي الأمريكي لرفع الفائدة هو تحسن الاقتصاد، وحاليا الدولار أكثر قوة من اليوان وسيؤثر ذلك سلبا في الصادرات الأمريكية وسيتراجع النمو في الولايات المتحدة، وإذا تأثرت صادرات الشركات الأمريكية العملاقة مثل جنرال موتورز وأبل على سبيل المثال، فإن معدل النمو الأمريكي قد يتراجع إلى 2 في المائة فقط. وتكشف أرقام الفتح والإغلاق في البورصات العالمية عن مزاج عام رافض للقرار الصيني.، فمؤشر يوروفرست 300 فتح أمس على انخفاض بقيمة 0.8 في المائة من جراء الأداء السيئ للبورصات الآسيوية، إذ أغلق مؤشر نيكاي 225 الياباني بانخفاض 1.6 في المائة، وفي كوريا الجنوبية تراجعت البورصة بنحو 0.6 في المائة. وأستراليا أيضا سارت بورصاتها في اتجاه الخسارة حيث تراجعت بنحو 1.7 في المائة، أما مؤشر إس وبي 500 الأمريكي فقد تراجع بنحو 34 نقطة وانخفض مؤشر ناسداك بـ 1.1 في المائة، ومؤشر داكس الألماني فقد 2.4 في المائة من قيمته، أما مؤشر كاك 40 الفرنسي فتراجع 2.8 في المائة، ومؤشر فوتسي 100 لبورصة لندن ففقد 1.4 في المائة. وامتدت الخسائر إلى أسواق المعادن والنفط أيضا، حيث خسر النحاس 1.5 في المائة من قيمته ليصل السعر لأعلى قليلا من 5050 دولار للطن، فيما تراجع النفط من خام برنت ليصل سعر البرميل إلى 49.04 دولار للبرميل، بينما فقدت أسهم شركة أبل 5.2 في المائة من قيمتها ولكن إذا كان هذا هو الوضع في البورصات الدولية فماذا عن أسواق العملات؟ بمعنى آخر هل يفجر القرار الصيني حرب عملات شرسة وعلى نطاق واسع؟ إدوارد نيل المحلل الاستراتيجي في أسعار الصرف في مؤسسة "ألن آند ديل" الاستثمارية يقول لـ "الاقتصادية"، إن القاعدة في حرب العملات أن الجميع يخسر، وربما لم يكن البنك المركزي الصيني بقراره هذا ينوى تفجير حرب عملات دولية، لكن النيات شيء والنتائج شيء آخر. وأضاف أن الصين أطلقت الطلقة الأولى في حرب العملات، والأمر يتوقف الآن على ردود فعل القوى التجارية الكبرى المنافسة لها مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان، والسؤال هل ستقوم بالرد أم ستراقب كيف ستؤثر الخطوة الصينية في التجارة الدولية؟، فإذا زادت الصادرات الصينية على حساب صادرات تلك البلدان، فإن هذه الدول لن يكون أمامها غير إطلاق النار أيضا في المقابل. الدكتورة ماريا جونسون الاستشارية في مجموعة لويدز المصرفية، ترى أن الخاسر الأكبر من حرب العملات ستكون العملات الدولية مثل الدولار والين والاسترليني واليورو، بينما قد تخرج الاقتصادات الصاعدة رابحة نسبيا من المعركة، وهو ما قد يدفع دولا مثل بريطانيا والولايات المتحدة واليابان ومنطقة اليورو للبحث عن بدائل أخرى غير حرب العملات للرد على الصين. وأضافت جونسون لـ "الاقتصادية"، أنه إذا اندلعت حرب عملات فإن اقتصادات مثل البرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا والمكسيك وتركيا يمكن أن تحقق ربحا ملحوظا، وإذا كان معدل الانخفاض في قيمة عملتها أعلى بكثير من التراجع في قيمة العملات الدولية، إذ سيشجع ذلك على زيادة صادراتها بمعدلات كبيرة، لكن هذا سيكون له أيضا تبعات سلبية مثل زيادة قيمة ديونها الدولية المقيمة بالدولار. ومع هذا لا يبدو مشهد إقدام الصين على خفض عملتها مشهدا سلبيا بالنسبة للجميع، ولربما كانت المفاجأة في أن يكون صندوق النقد الدولي أبرز المرحبين بالخطوة الصينية. جيم موري الباحث في صندوق النقد يعتبر أن الخطوة الصينية تتفق تماما مع جهود بكين لإدراج اليوان ضمن العملات الدولية التي يحتفظ بها الصندوق كاحتياطيات مالية. وأوضح جيم موري لـ "الاقتصادية"، أن البنك المركزي الصيني أعاد تحديدا ما يعرف باسم "نقطة المنتصف" وهي معدل استرشادي لقيمة العملة الصينية، يمكن أن يدور حوله سعر العملة ارتفاعا أو انخفاضا بنحو 2 في المائة. وحتى أمس الأول كانت نقطة المنتصف تحدد فقط من خلال قرار البنك المركزي الصيني، ولكن الآن فإن سعر اليوان سيتحدد على أساس السوق الدولي، إضافة إلى المعدل الذي أغلقت عليه المعاملات في اليوم السابق، وهذا يعني أن آليات السوق أصبحت تلعب دورا أكبر في تحديد قيمة العملة الصينية، وليس فقط البنك المركزي" وحول تأثير تلك الخطوة الصينية في قرار صندوق النقد في إدماج اليوان ضمن "حقوق السحب الخاصة" وهي مجموعة العملات التي يسمح الصندوق بسداد الأعضاء المستحقات المالية واجبة السداد بها. ويشير جيم موري إلى أن ذلك لن يؤثر في قرار البنك الذي سيتخذ هذا العام، لكنه لا شك يشير إلى أن الصين تسير في الاتجاه الصحيح. ولكن كيف سينعكس خفض الصين لعملتها على علاقاتها الاقتصادية مع بلدان مجلس التعاون الخليجي؟ محمد عبد الخالق المحلل الاقتصادي يعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد ازدهارا في العلاقات التجارية بين منطقة الخليج والصين. وتوقع عبد الخالق لـ "الاقتصادية" زيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين، خاصة مع انخفاض أسعار المنتجات الصينية، وبحلول عام 2020 فإن الجزء الأكبر من صادرات مجلس التعاون ستذهب للصين، والتكهنات تشير إلى أنها ستبلغ 160 مليار دولار أمريكي، فيما ستهيمن الصين من جانبها على سوق الواردات في مجلس التعاون ويتوقع أن تبلغ 135 مليار دولار أمريكي، وهذا يعني أن الميزان التجاري سيكون لمصلحة منطقة الخليج العربي، لكن في المقابل ربما تنخفض الاستثمارات الصينية في المنطقة لأن تكلفتها أصبحت أعلى مقيمة بالدولار أو بالعملات الخليجية المحلية، لكن في المقابل يمكن أن نشهد مزيدا من الاستثمارات العربية في الصين. وكان التبادل التجاري بين الصين وبلدان مجلس التعاون الخليجي قد نما بمعدلات سريعة خلال الفترة من 2010 إلى 2013، مقارنة بأي شريك تجاري آخر، إذ نمت الصادرات بمعدل 30 في المائة والواردات بنحو 17 في المائة.