أكدت الأوضاع المالية للمصارف الخليجية أكثر من مرة أن هذه المصارف استطاعت أن تتجاوز في صورة كبيرة وحاسمة تداعيات الأزمة العالمية التي بدأت في 2008، إذ بادرت سريعاً إلى زيادة رؤوس أموالها واقتطاع مخصصات مالية قوية، علاوة على تعزيز مستويات السيولة وقواعد الحوكمة، ما أهلها خلال السنوات الثلاث الماضية لجني ثمار تلك السياسات المتشددة وحقق لها انطلاقة مالية قوية تنسجم مع انطلاقة الاقتصاد الخليجي المدعوم بارتفاع أسعار النفط. وفي ما يخص عام 2013، يُتوقع أن تحقق المصارف الخليجية بحلول نهاية النصف الأول من العام، أرباحاً صافية، بزيادة 20 إلى 25 في المئة، وهي نسبة لم تحققها هذه المصارف حتى في سنوات الطفرة التي سبقت الأزمة المالية العالمية. وهذه التوقعات مبنية على مؤشرات عديدة، من بينها نتائج هذه المصارف خلال الربع الأول من العام، حين زاد دخل المصارف الخليجية بما يتراوح بين 10 و15 في المئة. وشهدت هذه المصارف أيضاً دفعة قوية في عمليات منح القروض التي زادت بنسبة 12 في المئة لتصل إلى 594 بليون دولار في الربع الأول من 2013. وجاءت المصارف القطرية في مقدم مصارف الخليج، لجهة زيادة القروض التي ارتفعت لديها بنسبة 25 في المئة في الربع الأول، تلتها المصارف السعودية بنسبة 12.7 في المئة والكويتية بنسبة 9.9 في المئة. وتؤكد المؤشرات المالية والاقتصادية المتوافرة حالياً أن الأداء المالي والاقتصادي سيقدّم دفعة إضافية إلى المصارف الخليجية خلال ما تبقى من العام لزيادة أرباحها. فتقرير «ألبين كابيتال أسيت أدفايزور»، مثلاً، يرجّح أن تواصل أسواق الأسهم الخليجية اتجاهها التصاعدي خلال النصف الثاني من 2013 على ضوء الزخم القوي الذي شهده النصف الأول. وهذه الزيادات - التي تدعمها النتائج المالية للشركات، مثلما تدعمها الإصلاحات، والنمو الاقتصادي الصحي، والاستثمار في القطاعات غير النفطية، وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط، والانتعاش في القطاع العقاري بالإضافة إلى تحقيق الشركات مستويات أرباح أفضل وتقويمات مقنعة - ستكون مسببات إيجابية لانتعاش أسواق الأسهم الخليجية. ووفق أجندة 2013 تتوقع «بلومبرغ» نمواً صحياً في مؤشر الأسواق الناشئة، وستبلغ النسبة في دول مجلس التعاون الخليجي 10.3 في المئة على أساس سنوي. أما اقتصادياً، فيشير تقرير لـ «ميد» إلى أن الأداء الاقتصادي القوي الذي شهدته دول الخليج في السنوات الخمس الماضية تزامن في شكل وثيق مع تبني مشاريع ضخمة وطموحة لتطوير البنى التحتية، والتي توزعت على القطاعات كلها، من القطاع السياحي والعقاري إلى القطاع النفطي والصناعي. ومع نهاية الربع الثاني من العام الحالي، أظهرت بيانات «ميد» أن إجمالي حجم المشاريع في كل مراحل التخطيط والتنفيذ في دول الخليج يبلغ 2.6 تريليون دولار، وهو حجم هائل، ويوازي ضعفي حجم الناتج المحلي الإجمالي الخليجي تقريباً. لذلك، فالمشاريع الضخمة التي تنفذها الحكومات الخليجية، خصوصاً السعودية والإمارات، وارتفاع حجم الإنفاق الحكومي وضخ الأموال في مشاريع البنى التحتية، تُعتبر أسباباً مباشرة لهذا النمو الضخم الذي حققته المصارف في نتائجها المالية للنصف الأول، وما ستحققه خلال ما تبقى من العام. أما عالمياً، فالمؤشرات التي توافرت للنصف الثاني من 2013 تبدو مشجعة وتدعم توقعات مواصلة النمو الاقتصادي الخليجي، وتحسين بيئة عمل المصارف الخليجية، خصوصاً مع نهاية الهاوية المالية في الولايات المتحدة بفضل برنامج الإنعاش النقدي، وكذلك الدفعة المهمة التي ستقدمها أوروبا في هذا الاتجاه مع حلحلة أزمتها. وعلى رغم الإنجازات والنجاحات العديدة، يبقى على المصارف الخليجية اتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة التطورات الاقتصادية والسياسية وفي مقدمها الاستعداد للمتطلبات التنظيمية الجديدة التي وضعتها «لجنة بازل» الخاصة بإدارة السيولة والحوكمة واختبارات الضغط ونظم التعويضات والمكافآت وإيجاد تكتلات مصرفية ووضع آليات تعاون أمتن للتمكن من مواجهة الأزمات والتطورات المستقبلية إلى جانب التفاعل في شكل أكبر مع الهيئات والمنظمات التشريعية والتنظيمية الدولية. وفي مقابل التطورات السياسية والاقتصادية الراهنة في عدد من البلاد العربية والعالم، فالمصارف الخليجية مدعوة إلى مزيد من المساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعاتها والتوسع في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتمويلها ورفع مستوى التعاون الاقتصادي الخليجي والعربي عبر تمويل مشترك للمشاريع الاستثمارية المشتركة في القطاعين الخاص والعام. الرئيس التنفيذي لـ «مجموعة البركة» المصرفية