أكمل معك- عزيزي القارئ- ما بدأناه عن المتقاعدين، وأنقل إليك شكواهم ومشاكلهم، التي وردتني عبر (الواتس اب) والمكالمات الهاتفية، على شكل (هموم)، فقد أفاد أحدهم بأن تهميشهم كمواطنين أفقدهم طعم الحياة الكريمة، ولا يشعرون بالمساوة مع غيرهم من المواطنين، فهم يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، إن كان هناك درجات للمواطنة، وعندما سألته عن (المساواة) التي يعنيها؟.. أجاب: إن هناك قرائن كثيرة تشير إلى ذلك، منها أننا مهمشون ماديا من أي مزايا تستحدث للموظفين الذين هم على رأس العمل، فالزيادات لا تشملنا رغم أن معاناتنا المعيشية تفوق معاناتهم، أما القرينة الثانية على عدم المساواة، فهي أن نظام الشركات لا يسمح للمتقاعدين بشراء سيارة بنظام الإيجار أو التقسيط، بينما يسمح لغير المتقاعد بذلك، وكذلك البنوك ترفض إقراض المتقاعدين وكأنهم ليسوا من المواطنين. هذه ليست أكبر مشاكل المتقاعدين.. بل المشكلة (العاجلة) الكبرى التي يعاني منها المتقاعد هي الرواتب المترهلة التي لا تتناسب مع غلاء المعيشة، وتحتاج إلى تقييم مستمر وإعادة النظر في رفعها مع دعمها بزيادة سنوية، وإنشاء برنامج لمساعدة المتقاعدين (مادياً) لا علاقة له بنظام المعاشات، مع الأخذ في الاعتبار أن أكثر من 50 بالمائة من المتقاعدين يعانون معاناة مالية كبيرة من جراء الفرق الكبير بين رواتبهم قبل وبعد التقاعد، ولو استعرضنا حالة واحدة لمتقاعد من المتقاعدين لوجدنا أنه يحتاج إلى سائق؛ نظراً لكبر سنه، كما أن عجوزه تحتاج إلى شغالة؛ لتعينها على الأعباء المنزلية، فإذا كانت رسوم استقدام السائق تكلف 2000 ريال، ورسوم استقدام الشغالة 2000 ريال بالإضافة إلى 14000 ريال لمكتب الاستقدام لجلب الشغالة من بلادها، وراتب السائق 1200 ريال شهرياً، وراتب الشغالة 800 ريال شهرياً، وفواتير الكهرباء والهاتف والماء والبنزين ومصاريف المأكل والمشرب والملبس لجميع أفراد أسرتي 2000 ريال تقريباً، فهذا يعني أن المصاريف تصل إلى 9500 ريال شهريا، وربما أكثر، فهل رواتب معظم المتقاعدين تصل إلى هذا الرقم؟!. هناك شريحة كبيرة من المتقاعدين يعيشون وضعًا اقتصاديًا مزرياً، ورواتبهم لا تغطي احتياجات أسرهم، وهذا قد يؤدي إلى خلق مشاكل أخلاقية واجتماعية لا حصر لها، حيث قد يزداد التفكك الأسري نتيجة لانشغال المتقاعد في توفير الحياة الكريمة له ولأسرته، ونتيجة لذلك سيقع المجتمع في فخ المشاكل الأخرى التي منها الجريمة والمخدرات وربما الإرهاب، وما يؤكد ذلك ما صرح به أحد مديري جمعيات المتقاعدين لوسائل الإعلام حيث قال بالحرف الوحد: (إن هناك من المتقاعدين من يعيش أزمات خانقة تصل إلى درجة التفكير في الانتحار). إذن، لابد أن نستشعر الآثار السلبية الناجمة عن إهمال المتقاعدين قبل استفحال الأمر وتعقده، كما علينا تقديم كافة الخدمات التي تتناسب مع تضحياتهم وما قدموه للوطن، حيث أفنى المتقاعدون زهرة شبابهم في خدمة الوطن، ولا ينبغي أن نبادلهم هذا بالتهميش والنسيان، كما على الجهات المعنية العمل على مراجعة وتغيير أو تعديل الأنظمة القديمة المتعلقة بحقوق المتقاعدين، لتتمكن من فتح الفرصة للمتقاعد الراغب في العمل مرة أخرى مع استمرار حصوله على الراتب التقاعدي، حيث إن هناك دراسة أجريت في المملكة تقول إن حوالي 70% من المتقاعدين يبحثون عن عمل، ولا ينبغي أن تهمل هذه الخبرات التي كلفت بلادنا الكثير، وينبغي ألا تكون معزولة عن التنمية والبناء الذي يشهده الوطن، فهم شاركوا فيه في الماضي وينبغي إتاحة الفرصة لهم للمشاركة فيه في الحاضر، وأتساءل: لماذا لا تفتح لهم الأبواب على مصراعيها ليشاركوا في البناء والنهضة التي تشهدها البلاد؟ ولماذا لا يستفاد منهم في الاستشارات المتخصصة وإعداد البحوث والدراسات، بل لماذا لا تتاح لهم الفرصة ليعملوا بدلاً عن الأجانب في بعض المواقع؟. أكمل معك عزيزي القارئ في المقال القادم، إن شاء الله.