استأنف النفط الخام أمس مساره نحو الارتفاع بعد سلسلة من الانخفاضات الحادة السابقة في اتجاه تصحيح الأوضاع في السوق وتعافي الأسعار. ودعم ارتفاع الأسعار انخفاض سعر الدولار أمام بقية العملات الرئيسة، نظرا للعلاقة العكسية بين سعر الدولار والنفط الخام، فيما أسهم تخفيض الصين للعملة الوطنية اليوان بسبب البيانات الاقتصادية الضعيفة في منع تحقيق مزيد من المكاسب السعرية في سوق النفط الخام بسبب الشكوك حول سلامة الأداء الاقتصادي في ثاني أكبر اقتصاد عالمي. وأوضح لـ "الاقتصادية"، مايكل تورنتون المختص بمبادرة الطاقة الأوروبية، أن الصين تحاول إنعاش اقتصادها بعد تراجع الطلب على صادراتها وهو ما دفع الحكومة الصينية إلى التدخل في السوق والقيام بإجراء استثنائي لخفض قيمة اليوان بـ 1.9 في المائة بهدف دعم الصادرات الصينية وتنشيط الأداء الاقتصادي. وأوضح تورنتون أن الصين إذا نجحت في جهودها الرامية إلى إنعاش الأداء الاقتصادي وزيادة رواج الصادرات فإن ذلك سينعكس إيجابيا على مستوى الطلب العالمي على النفط الخام، وسيمثل دعما كبيرا لأسعار الخام في الفترة المقبلة. من جانبه، يرى أندرياس جيني مدير شركة ماكسويل كوانت للخدمات النفطية، أن تذبذب أداء الدولار الأمريكي انعكس على تذبذب مماثل في أسعار النفط وإن كان الدولار في أغلب الفترات يميل إلى الارتفاع إلا أن الانخفاض الحالي يأتي نتيجة غموض الموقف بشأن زيادة الفائدة على الدولار والمتوقعة خلال الشهر المقبل. وأشار أندرياس إلى أن الانخفاضات الحادة لن تستمر كثيرا بسبب تنامي الطلب على النفط تدريجيا، موضحا أن المخاوف من صادرات إيران كانت سببا رئيسا في انخفاضات الشهر الماضي، خاصة مع صدور توقعات عن البنك الدولي أن هذه الصادرات قد تتسبب في خفض جديد للأسعار ربما يتجاوز عشرة دولارات في البرميل. وكان البنك الدولي قد توقع أن يكون لرفع العقوبات عن إيران تأثير "كبير" في الأسواق العالمية للنفط وأن ينخفض سعر برميل النفط بنحو عشرة دولارات عام 2016. وجاء في تقرير للبنك الدولي أن العودة الكاملة لإيران إلى السوق العالمية ستضيف نحو مليون برميل يوميا إليها، وسينخفض بالتالي سعر البرميل بنحو عشرة دولارات العام المقبل. وفي حال صحت هذه التوقعات فهذا يعني أن سعر البرميل سينخفض بنحو 21 في المائة عما هو عليه اليوم، وتوقع التقرير أن تزيد الصادرات النفطية الإيرانية بما قيمته 17 مليار دولار، إلا أن البنك أكد أيضا أن الاتفاق الموقع بين القوى الكبرى وإيران لا يزال في حاجة إلى موافقة الكونجرس الأمريكي. ويقول بيوتر فدفنسكي المختص البولندي في الشؤون النفطية، إن آفاق سوق النفط الخام جيدة، مشيرا إلى أن الانخفاضات الحالية تجيء في إطار التقلبات المستمرة وهى سمة أساسية في سوق النفط في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الاقتصادية وجود تحسينات واسعة في أسعار النفط في العام المقبل بفعل طفرة في مستويات الطلب العالمي. واعتبر فدفنسكي أن الفترة الحالية تعد من أصعب الفترات على الدول المنتجة وعلى الاستثمارات والشركات ولكن هناك تدابير فعالة نجحت في تقوية المراكز المالية للدول والشركات ومنها خفض الإنفاق والتوسع في برامج كفاءة الطاقة وتنويع الموارد إلا أن الوضع أكثر صعوبة في دول كبرى مثل روسيا، التي زادت فيها برامج الانكماش الاقتصادي لمواجهة صعوبات مزدوجة وهى انخفاض أسعار النفط إلى جانب العقوبات الاقتصادية الواسعة المفروضة عليها بسبب الأزمة في أوكرانيا. من ناحية أخرى وعلى صعيد الأسعار، تراجعت أسعار النفط أمس بعدما قفزت في الجلسة السابقة، حيث خفضت الصين قيمة عملتها اليوان بعد سلسلة من البيانات الاقتصادية الضعيفة التي عززت وجهة النظر السائدة في السوق بأن الأساسيات أضعف بكثير من أن تسمح بزيادة أسعار النفط. ووفقا لـ "رويترز"، فقد قفزت أسعار النفط في العقود الآجلة نحو 4 في المائة أمس الأول مبتعدة عن المستويات الدنيا التي نزلت لها في كانون الثاني (يناير) لكنها عادت للتراجع أمس لتبقى أقل بأكثر من الربع من أحدث ارتفاعات لها في أيار (مايو). وتراجعت معاملات برنت في العقود الآجلة تسليم الشهر التالي 31 سنتا إلى 50.10 دولار للبرميل مقارنة بآخر سعر إغلاق، وتراجع الخام الأمريكي الخفيف 39 سنتا إلى 44.57 دولار للبرميل. إلى ذلك، قال تقرير أممي نشر أمس إن دول العالم إذا أقدمت على تخصيص 1.5 في المائة فقط من الناتج القومي الإجمالي لدعم الاستثمارات في مجال كفاءة الطاقة والتوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة والنظيفة يمكن أن تحقق الكثير في مجال التنمية الشاملة وتحافظ على معدل نمو اقتصادي سليم وتحقيق التنوع في موارد الطاقة بما يدفع معدلات النمو. وأكد التقرير عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "يونيدو" في فيينا أن زيادة الاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة يوفر مزيدا من فرص العمل ويدعم نمو اقتصادات دول العالم. وأوضح التقرير الذي أصدرته "يونيدو" بالتعاون مع المعهد العالمي للتنمية والاقتصاد الأخضر أن حجم الانبعاثات من الغازات الضارة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري سجلت في عام 2010 نحو 45 مليار طن متري في العالم وأن أكثر من 82 في المائة من هذه الانبعاثات جاءت من مصادر الطاقة التقليدية. وشدد التقرير على ضرورة زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة في مجال الاستثمارات الصناعية، مشيرا إلى أن الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة عالي الربحية ويوفر مزيدا من فرص العمل ويدعم جهود التنمية على نحو واسع بينما يساهم الوقود الأحفوري في زيادة الانبعاثات التي تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري. وبحسب التقرير فإن القول إن "خفض الانبعاثات يعنى تراجع النمو الاقتصادي" غير صحيح، حيث يدحض هذه المقولة ما يمكن أن يتحقق من خلال التنمية عبر الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، مشيرا إلى أن التنمية الخضراء المستدامة يمكن أن تحقق الكثير في مجال النمو الاقتصادي وفرص العمل. وأشار التقرير إلى أن هناك أيضا مفهوما خاطئا بأن الاقتصاد الأخضر وموارد الطاقة النظيفة لا تناسب إلا الدول الصناعية المتقدمة والصحيح وفق تأكيدات ودراسات أجرتها "يونيدو" أن الطاقة النظيفة تناسب كل دول العالم سواء المتقدمة أو النامية. وقال التقرير إن الدراسة التي أجرتها "يونيدو" على عدد من الدول المتقدمة والنامية ضمت ألمانيا وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وأثبتت إمكانية التوسع في الاعتماد على الطاقة النظيفة في كل دول العالم والأمر سيكون له مردود اقتصادي هائل على النمو وفرص العمل في كل الدول وإن فوائد عديدة ستعود على اقتصادات العالم من التوسع في الاستثمارات الخاصة بالطاقة النظيفة. وشدد التقرير على ضرورة زيادة برامج التعاون بين جميع الأطراف وأصحاب المصلحة في مجال الاستثمارات الخاصة بالطاقة النظيفة وتطوير السياسات الصناعية وإيجاد حلول عملية ومبتكرة لتحديات التنمية المستدامة في العالم.