هل يمكن الكتابة عن أخبار «طيبة» في العالم؟ كيف يكن أن يحدث وكل هذه الأخبار عن الحروب والإرهاب والمجاعات والمذابح التي تلم بالبشرية وكأن السماء قد انطبقت على الأرض، وربما كان يوم القيامة أقرب مما نتصور؟ ومع ذلك كتب زاك بيوشامب استنادًا إلى تقرير جديد للأمم المتحدة أنه «عندما نقرأ الأخبار (ونستمع لها أيضًا ونشاهدها)، فإننا نشعر أحيانا كما لو كان العالم ينهار: أن كل شيء يذهب إلى الجحيم في سلة واحدة، وأننا على وشك الانهيار التام. وفي الحقيقة، فإننا نعيش خلال أفضل الأوقات في التاريخ الإنساني إذا ما قيست الأمور من خلال قياسات موضوعية. فلم يحدث أن عاش الناس لفترة أطول مما نعيش الآن، وبشكل أفضل، وأكثر أمانًا، أو أغنى مما نعيش الآن». فماذا قال تقرير الأمم المتحدة عن هذه الحالة المتفائلة لكي يثبت تلك الحالة من السعادة غير المسبوقة؟ الحقيقة أنه في معظم التاريخ الإنساني، على عكس ما يقال لنا كثيرًا، فإن البشر عاشوا حياة تعيسة وصعبة وقاسية، وفي معظم الأحوال قصيرة للغاية. وفي عام 1720 (ثلاثمائة عام فقط مرت؛ فماذا عن الحال منذ بضعة آلاف من السنوات أو عندما بدأ الإنسان مسيرته على الأرض منذ 10 آلاف عام أو أكثر قليلاً - فإن العمر المتوقع عند الميلاد لم يكن يزيد في المتوسط عن 29 عامًا. الآن فإن العمر المتوقع هو 70 عامًا بفارق أكثر من 40 عامًا، مثل ذلك يشير إلى أن مفهومنا عن «الشباب» تغير كثيرا، وكذلك عن «منتصف العمر» وبالتأكيد عن «أزمة منتصف العمر» الشهيرة. حدثت قفزة إذن في عمر البشر لأن الفقر والمرض والحروب لم تعد كما كانت، ولأن وسائل الطب تقدمت بحيث تعدت بكثير قدرات الكهنة والسحرة التي كانت تزيد من عدد الموتى بأكثر مما كانت تنقذهم من الموت. وما عليك إلا أن تشاهد المجاعات الذائعة عن أفريقيا حتى تظن أن العالم يعيش حالة فقر مدقع، ولعل ذلك كان الحال في معظم تاريخ البشر، ولكن ذلك حسب مؤشرات الأمم المتحدة، تغير ذلك منذ القرن الـ19، حيث أخذ الناتج المحلي الإجمالي للعالم - أي مجموع السلع والخدمات في الدنيا كلها - يرتفع بسرعة هائلة غير مسبوقة تاريخيا. بالطبع فإن أسباب ذلك تعود للثورة العلمية التي نقلتنا من عصر الدواب إلى عصر البخار، ومن البخار إلى عصر النفط، ومن النفط إلى الطاقة النووية، وباختصار قادت هذه الثورة إلى أخرى صناعية، وتفتحت عيون العالم على «التنوير»، وتلك الآلة الجبارة من التنظيم الاقتصادي والاجتماعي المعروفة بالرأسمالية. المسألة لم تقتصر على قارة أو إقليم أو جماعة، ولكن نتاج هذه الثورات ذاع في العالم من الأدوية إلى الكهرباء، فلم يعد الناس أكثر غنى فقط، وإنما صاروا أحسن صحة وقدرة على العمل. وقد يبدو أن ما سبق من زيادة الغنى يمكنه أن يعطي الانطباع بأن ذلك كان نتيجة «فقر» الآخرين، أو هكذا كان يظن معظم الفلاسفة الاشتراكيين الذين ظنوا مثل ماركس أن الغنى ناتج عن استيلاء جماعة من الرأسماليين على «فائض القيمة» الناجم عن العملية الإنتاجية. ولكن الأرقام لا تقول كذلك، فما بين عامي 1990 و2015، أي ربع قرن فقط، فإن 1.1 مليار نسمة خرجوا من الفقر المدقع - معرفًا بهؤلاء الذين يعيشون على دولار وربع دولار في اليوم - وهو ما يعني أنه خلال 25 عامًا، فإن إنسانًا من كل سبعة من البشر قد خرج من دائرة العدم المروعة. معظم هؤلاء خرجوا من الصين والهند اللتين تضمان كتلة هائلة من البشر، ولكنهما حققتا نموًا هائلاً أخرج المجاعة من قاموس عيشهما. وبعد أن كان عدد المعدمين عام 1990 هو 1.926 مليار من البشر، فإنه هبط إلى 836 مليونا فقط عام 2015، معظمهم في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا. المدهش أنه في الوقت الذي يبدو فيه أن العنف قد زاد بين البشر، فإن المؤشرات تدل على وجود انخفاض كبير وهائل في عدد الموتى من الحروب. فرغم كل الحروب والإرهاب والتوترات العالمية والحروب بالوكالة بين القوى العظمى وتلك الإقليمية، فإنه لم تحدث حرب عالمية جديدة، والحرب العالمية الوحيدة التي عرفناها بين القوى العظمى كانت حربًا باردة. وربما كان ذلك هو السبب في أن الموت من الحروب قد تراجع، لأن أقوى الدول وذات التسليح النووي قد تولد لديها رادع من استخدام الحرب أداة لحل النزاعات فيما بينها. ومثلما هو الحال مع الحروب فإن الإنسان حقق النتيجة نفسها مع الأوبئة حيث تراجعت نسبة المصابين بمرض الإيدز بنسبة 40 في المائة بين عامي 2000 و2013، بينما تراجعت الوفيات المرتبطة بهذا المرض بنسبة 35 في المائة، وكل ذلك بسبب التقدم الطبي والتعاون الدولي في هذا المجال. ويضاف إلى ذلك بالنسبة لأمراض أخرى، فقد أدى التطعيم لتراجع مرض شلل الأطفال منقذا قرابة 15.6 مليون بين عامي 2000 و2015، وكذلك تراجع عدد المصابين بالملاريا بنسبة 58 في المائة بين العامين نفسيهما، والسل تراجع بنسبة 43 في المائة منذ عام 1990. هذا التحسن الكبير في صحة العالم من أول ارتفاع العمر المتوقع حتى الميلاد حتى تراجع الأوبئة، يرجع إلى عدد من العوامل الاقتصادية، فقد أصبحت هنا أعداد متزايدة قادرة على الحصول على الطعام وبكميات كافية. ففي عام 1990 كانت نسبة هؤلاء المصابين بسوء التغذية 23.3 في المائة من سكان الكرة الأرضية، الآن فإن هؤلاء أصبحوا 12.9 في المائة من سكان العالم. وإذا ربط هذا بالانخفاض الكبير في معدل وفيات الأمهات وقت الولادة بنسبة 45 في المائة بين 1990 و2013، والانخفاض الدرامي في معدلات وفيات الأطفال عند الميلاد من 90 في كل ألف عام 1990 إلى 43 في كل ألف عام 2015. والحقيقة فإن الأطفال الذين سيعيشون سوف يجدون فرصا أكبر للتعليم، ففي أكثر مناطق العالم فقرا وهي أفريقيا جنوب الصحراء فإن عدد التلاميذ المندرجين في الدراسة بلغوا 62 مليونا أو 52 في المائة من عدد الأطفال عام 1990، وهؤلاء باتوا 149 مليونًا أو 80 في المائة من العدد الكلي عام 2012، وهي قفزة هائلة. وفي النهاية، ترصد الأمم المتحدة أن انتشار «الديمقراطية» في العالم، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة، قد جعل ذلك ممكنًا، حينما تزايدت الضغوط على الحكومات لكي تنتشر السعادة والرضا والثروة بين الناس.