مشكلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن كل أوراقه باتت مكشوفة داخل تركيا وخارجها. فالحرب التي زعم أنه يشنها ضد الإرهاب تحولت إلى حرب ضد قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديز شمالي العراق وضد أكراد سوريا، ليس هذا فقط، بل وعلى الحزب السياسي الذي يمثل أكراد تركيا داخل البرلمان التركي، أي حزب الشعوب الديمقراطي وبالأخص زعيمه صلاح الدين ديمرطاش الذي يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإعلام حزبه إظهاره كأنه يعمل بالتنسيق مع حزب العمال الكردستاني التركي المعارض. فهو من ناحية يحاول القصاص من هذا الحزب الذي استحوذ على 13% من مقاعد البرلمان اعتبرت اقتطاعاً من حصة حزب أردوغان وحالت دون تمكينه، ليس فقط من الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان كي يتمكن من تحقيق هدفه الأسمى بتعديل دستور الدولة لاستبدال النظام السياسي البرلماني بآخر رئاسي يجعل من أردوغان الرجل الأوحد صاحب الكلمة الأعلى في البلاد، بل ومنعته أيضاً، من الحصول على الأغلبية البسيطة (النصف +1) الضرورية لتشكيل حكومة غير ائتلافية في البلاد، كما أنه يحاول من ناحية أخرى جعل هذه الحرب التي يخوضها في سوريا ضد حزب العمال الكردستاني وليس ضد داعش كما يروج، دافعاً مقبولاً لفرض إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في الخريف المقبل يأمل أن يحصل فيها على ثلثي مقاعد البرلمان لتحقيق أحلامه بعد أن يكون قد تخلص من حزب الشعوب الديمقراطي وشخص صلاح الدين ديمرطاش. أكبر دليل على ذلك أنه على وقع العمليات التي تجري بعنف ضد حزب العمال الكردستاني والتجييش ضد الأكراد داخل تركيا فتح تحقيق قضائي بحق ديمرطاش وتحقيق آخر بحق الرئيسة الثانية في الحزب فيجن يوكسيك داغ بتهمة الترويج لمجموعة إرهابية. هدف التخلص من صلاح الدين ديمرطاش ورفاقه وحزبه لم يعد استنتاجاً، فقد أعلنه وبصراحة أحمد داود أوغلو رئيس حكومة حزب العدالة والتنمية. فقد اعتبر أوغلو أن حزب الشعوب الديمقراطي سيكون في عداد المتهمين في نظر الحكومة والشعب طالما أنه لم يحدد موقفه، تجاه منظمة "بي. كا. كا"(الإرهابية) يقصد حزب العمال الكردستاني، وبشكل واضح، ويدينها كما يدين تنظيم داعش، وفي هذه الحالة فقط نقبل الاستجابة لندائه والتحاور معه والجلوس على الطاولة نفسها، وبعكس ذلك فإن الحزب سيكون في نظرنا ونظر الشعب جالساً على مقعد الاتهام. هذه الحرب على حزب الشعوب الديمقراطي وشخص زعيمه تتكامل مع الحرب التي يشنها أردوغان في سوريا ضد قواعد حزب العمال الكردستاني وضد أكراد سوريا الذين أجرموا، من وجهة نظر إردوغان، لأنهم سعوا إلى تشكيل ممر من أقصى الشرق إلى البحر المتوسط، حسب تصريحاته خلال زيارته لدول شرق آسيا. وكشف أردوغان في هذه التصريحات، ومن دون أن يدري، عن خيوط علاقته مع داعش وكيف أنه تعاون مع هذا التنظيم الإرهابي لأنه كان يقف حجر عثرة أمام طموحات أكراد سوريا في تشكيل كيان كردي مستقل. استهداف أكراد سوريا يأتي تحت غطاء إقامة المنطقة الآمنة الخالية من أكراد سوريا قبل أن تكون خالية من تنظيم داعش، على عكس ما تريد الإدارة الأمريكية التي أعلنت على لسان أحد الدبلوماسيين المرافقين للرئيس الأمريكي باراك أوباما في جولته الإفريقية الأخيرة أن ما تريده واشنطن وبوضوح هو إقامة منطقة خالية من (داعش)، وضمان قدر أكبر من الأمن والاستقرار على طول الحدود التركية مع سوريا، مؤكداً أن أي جهود عسكرية مشتركة مع تركيا لن تشمل فرض منطقة حظر طيران، ما يتعارض مع رغبة أنقرة في إقامة منطقة حظر جوي شمال سوريا. لقد ظل أردوغان أسير قناعتين، الأولى، أن العدو الأول والحقيقي لتركيا هو حزب العمال الكردستاني التركي المعارض وحلفاؤه من فصائل المعارضة الكردية السورية وليس تنظيم داعش. والثاني، أن أي إضعاف ل داعش هو بالضرورة تعزيز للميليشيات الكردية التي تقاتل في شمال سوريا ومن بينها حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، لذلك ظل أردوغان حريصاً على عدم المشاركة في الحرب ضد داعش، وعندما اضطر لشن ضرباته في شمال سوريا والعراق بدافع الانتقام للتفجير الذي تعرض له فندق في مدينة سوروتش الكردية التركية، واتهمت داعش بالمسؤولية عن هذا التفجير، فإنه لم يركز على ضرب قواعد داعش بقدر ما كانت ضرباته مستهدفة لقواعد حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا والعراق، وللميليشيات الكردية السورية المتحالفة مع هذا الحزب. هذا الدافع أكدته اتهامات للرئيس التركي ونجله بلال وابنته سمية بالتورط على مدى السنوات الأربع الماضية في دعم تنظيم داعش الأمر الذي فرض على الحكومة التركية إصدار بيان تنفي فيه هذا الاتهام وتنسبه إلى معارضة مغرضة وإشاعات يطلقها النظام السوري، متجاهلة أنها هي التي سمحت للعدد الأكبر من مسلحي داعش الأجانب البالغ عددهم أكثر من 20 ألف مقاتل بالدخول إلى سوريا عن طريق الحدود التركية، بل إن تركيا نفسها اعترفت بأن الفتيات البريطانيات الثلاث الهاربات من منازل أسرهن في لندن للالتحاق بالتنظيم مررن بها قبل أن يصلن إليه. مثل هذه العلاقة تلقي أضواء مهمة على المشروع التركي في سوريا، وتؤكد أن ما تقوم به تركيا الآن من حرب ضد داعش هي حرب مزعومة، وأن الحرب الحقيقية يجري خوضها أولاً على المستوى السياسي داخل تركيا لفرض خيار الانتخابات النيابية المبكرة بعد الخلاص من حزب الشعوب الديمقراطي الواجهة السياسية لأكراد تركيا، وهي ثانياً حرب تخاض في شمال سوريا لوضع نهاية ل عملية السلام مع الأكراد تحت غطاء القضاء على حزب العمال الكردستاني. ولكنها حرب تضع تركيا، وكما تقول الصحافة الروسية، على خط الفوضى الشاملة في المنطقة، لكن الخطر كل الخطر أن تمتد هذه الفوضى إلى الداخل التركي، بعد أن أخذت لعبة أردوغان تنكشف للمعارضة وللرأي العام التركي، لكن ما هو أخطر أن تنجح تلك الفوضى في الحيلولة دون فلتان أردوغان منها.