في يقيني أن المتحرش ببنات الناس متحرش بنسائه ولو بعد حين، إذ لا يمكن، إن كنت عاقلا، أن تتصور بأن (الغريبات) مستباحات بينما (القريبات) دونهن أسوار عكا وترسانات أمريكا. قلة الأدب التي قد تحدث منك تحدث من غيرك والدنيا سلف ودين، فلا يغرنك التوهم بأن أختك أو ابنتك عصية على التحرش.. ولا يغرنك، أيضا، ما يتداوله بعض الحمقى من أن اللحم المكشوف يقع عليه الذباب.!!. المتحرش، وهو شخص دنيء على كل حال، لا يختار ضحاياه على أساس النقاب أو الحجاب أو السفور أو اللحم المغطى والمكشوف. كل النساء سواء أمام (عديمي التربية). وفي القصص التي تروى أن نساء لا تظهـر حتى أظافرهن تعرضن للتحرش باللفظ أحيانا وباللمس أحيانا أخرى، بل إن التحرش لم يوفر حتى القواعد من النساء اللواتي يفترض أن تقبل رؤوسهن احتراما وتقديرا لأعمارهن. وبالتالي فإن المسألة ليست مسألة مظاهر أو آراء فردية خاصة، بل مسألة تربية وأخلاق وسلوك مجتمعي عام تضبطه القيم والقوانين المرعية من الجميـع. وقد رأيت، كما رأى كثيرون منكم، كيف يفكر الرجل، في المجتمعات المضبوطة قانونيا، ألف مرة قبل أن يفتح فمه بكلمة فيها شبهة تحرش بامرأة، فضلا عن أن يمد يده، أيا كان ما تلبسه هذه المرأة أو تظهره من جسدها. وذلك لأن القانون الصارم المطبق هناك هو الذي يردعه ويعيده بسرعة البرق إلى صوابه. وقد كانت لي تجربة خاصة في العيش والعمل في أمريكا حيث تلقيت، أول ما تلقيت حين وصلت إلى هناك، درسا طويلا في التحرش (Harassment) اكتظ بالتفاصيل وأنواع العقوبات المغلظة التي تجعلك تراقب طريقة إلقاء تحية الصباح على زميلتك في المصعد. ومن هنا، من هذه القوانين، تجد أماكن العمل نظيفة وآمنة للمرأة والرجل معا. كذلك كانت بعض الشركات هناك لا تكتفي بالقانون العام، بل تضع قوانينها الداخلية الخاصة التي تسد كثيرا من منافذ واحتمالات ارتكاب التحرش. وبمقدور الشركات في المملكة، لتحفظ نظافة وسلامة بيئتها العملية، أن تفعل ذلك بحيث يوقع الموظف، ضمن ما يوقع عليه في عقد العمل، على بنود يتعرض فيها للفصل من الوظيفة والعقاب في حال ثبتت عليه تهمة تحرش من أي نوع.. وأمام هذا الحل، وغيره من الحلول، يمكن أن نحد كثيرا من ظاهرة التحرش المستفحلة، التي وصلت إلى مستوى مخيف من الوقاحة تمثـل، من ضمن ما تمثـل به، في مطاردة البنات والاعتداء عليهن عيانا بيانا في الأسواق. لكن من المهم قبل ذلك أن نقلع عن وهمنا بأننا مجتمع ملائكي وأننا نطهـر الأرض التي نمشي عليها، فهذه خزعبلات تنفيها الطبيعة البشرية ويكذبها الواقع.. وعلى كل حال فإن هذه الظاهرة المشينة والبشعة ستختفي إذا شعر كل شخص منا بأن المرأة في السوق أو في الشارع أو المكتب هي من أهله وأنه عندما يتحرش بها إنما يتحرش بأخته.