في تحليل خطاب ردة الفعل الفكرية والثقافية للرموز الوطنية بعد أي حادث إرهابي تبرز مرحلتان: الأولى والمباشرة هي الإدانة والاستنكار في سباق محموم لتسجيل موقف لأن الغياب نفسه يسجل موقفا. الثانية التالية هي مرحلة التسويف الخجول بسوق الأسباب الرمادية. يمتصون الهجمة المجتمعية الجارفة ثم يعودون بعد يومين في هجمات مرتدة. في الفضاء الإلكتروني قرأت لكم من تسويف أسباب الإرهاب المحلي بعض ما يلي: إقصاء العلماء/ تهميش الدعاة/ التضييق على الحلقات/ محاربة مخيمات الدعوة/ الهجوم على المناهج وفصائل وفصول المدارس/ إلغاء الأنشطة الطلابية، ولكم أن تكتبوا ما بقي من مثل هذه الأسباب التي امتلأ بها "السايبر" الإلكتروني في ثنايا المرحلة الثانية من ردة الفعل تجاه آخر عمل إرهابي. الخلاصة: تخيلوا أن مسافراً من براغ إلى المالديف يقرأ كل هذا الكم الهائل من تسويف الأسباب وهو على مقعده بالطائرة فوق الأجواء السعودية. لو أنه صدق ما يقرأ لظن أن الطائرة تحلق فوق السلفادور أو كوريا الشمالية. كل هذه المفردات الحمراء من شاكلة/ إقصاء.. تهميش.. تضييق.. محاربة.. إلغاء/ تظن أنها ستذر الرماد في عيون مجتمعنا عن بعض حقائق وطنه فيما يلي: هو البلد الذي تقام به في العام الواحد مئة مليون منشط دعوي من المطوية للمحاضرة ومن المخيم إلى المعسكر. هو البلد الوحيد الذي يسمح فيه لمن أراد أن ينهض لكلمة أو خطبة قصيرة أو طويلة في أي محراب من مئات آلاف المساجد بعد أي صلاة من فروض اليوم الخمس. هو البلد الذي فتح 18 كلية شريعة ويضم اليوم نيفا ومئة وثمانين قسما للدراسات الشرعية، مثلما هو البلد الوحيد الذي تدور مطابعه على تراخيص 30 ألف عنوان كتاب ديني أو شرعي في العام الواحد، وهي بمجموع الأوراق تمثل ما يقرب من ثلثي كل ما يطبع في هذا البلد في العام الواحد. هو نفسه البلد الذي خصص بالتقريب عشر موارده العامة الهائلة لإعمار الحرمين الشريفين ويخسر في المعدل 7 مليارات لموسم الحج الواحد. وفي وجه هذه المفردات الحمراء أستطيع أن أكتب لكم من الحقائق الدامغة عن مشوار مجتمعي ووطني مع هذا الدين العظيم ما يملأ هذه الصحيفة. أستأذنكم ألا تتاجروا بمشاعر أرملة ثكلى فقدت ابنها الوحيد، شقيق أربع بنات، وفي اليوم الثالث من العزاء، ثم يقرأ أخواته الشقيقات أن "غياب الدين وأهله ودعاته" هو من أعاد لهم "المرحوم" جثة لا يعرف فيها قدمه من يده. كلنا نعرف الحقيقة.. ندرك السبب.. فلا تقولوا لهذه العيون الحزينة في اليوم الأخير من العزاء أنكم في السلفادور أو كوريا الشمالية.