كان الفساد قديماً يخاف من «المطر»، مثلما كان المسؤول أيضاً يخشى «الغرق»، المواطن هو الوحيد الذي بقي على الفطرة، إذ بقي يخاف ويخشى «ربه»!، قَدرٌ أن يكون هنالك من لا يخشى أحداً على الإطلاق، مثلما هنالك مَن يخاف الله، ويخشى ممن لايخاف الله أيضاً، مثلما هو قدري أن أُشاهد مشاريع تُنجز في الصيف، وكأن هناك من تعمّد أن تكون جاهزة في الشتاء حتى يأتيها المطر ويكشف فوضاها التي تندرج تحت تصنيف «المجاهرة بالمعصية «، ويا للمفارقة، يأتي الكاتب وكل همّه أن يكتب عن الفساد بأسلوبٍ جميل راقٍ، هل انتكست فطرته..أم أنه يحاول ألاَّ يجعل الفساد يهزمه مرتين؟ تقول الحكمة الغارقة في مثاليتها السخيفة «ابتسم عند الهزيمة»، أما الحكمة الاُخرى الأكثر لؤماً فتنصحك أن تبتسم عند الهزيمة أيضاً، ليس بقصد تقبّلك لهزيمة مُستحقة كما توحي مثالية الحكمة الأولى، الثانية تُكمل أو تبرِّر ذلك (كي تفسد على عدوك مُتعة الانتصار)، المُشكلة أن الفساد ليس صديقي، ويراني أقل من مرتبة (عدو)، يهزمني ويغادر قبل أن أبتسم أو حتى أضحك بصوتٍ عالٍ، ولا يكتفي بذلك، بل يُبادر ويُفسد كل سبب محتمل للبهجة، ويجعلني أخاف من كل شيء، من المطر، والرياح، والمستقبل، ونشرات الأحوال الجويّة! كنّا نعلم أن المطر يغضب عندما تستفزه، وتستهين بأنفته الكامنة في الأودية ومجاري السيول، لكننا لم نتخيّل أن تتحوَّل الأودية أملاكاً خاصة، ونُحوّل نحن لنكون مجاري سيول وسيولة، دون أن نشعر، على الرغم من أن مسألة (شعورنا) من عدمها أمرٌ لا يغيّر شيئاً في الأمر! لو تقصّينا سبب الفساد الذي جعل الطريق ينهار تحت أول (رشّة مطر)، والجامعة التي تحوّلت لبحيرات، ربما يحرّض المطر القائمين عليها بافتتاح كلية لعلوم البحار، والمطار الذي يستحق مُسمّى (المطار البحري للرحلات الجويّة)، السبب بالتأكيد في كل ذلك هي الشركة المنفذة، والشركة المُنفذة تقول إن السبب هو (المُقاول)، والمقاول يقول إن السبب هو المهندس المشرف على التنفيذ الذي تم ترحيله لأنه مخالف لنظام العمل والإقامة! ولهذا سأبتسم ليس لإفساد فرحة المهندس بالانتصار، بل لأنني سأدّعي مثالية أكثر غباء وأقول: يجب ألاَّ أبتئس عندما يكون شقائي بل وموتي من أجل إسعاد إنسان حتى لو كان فاسداً!