يعود المشهد الداخلي في لبنان الى دوامة حبْس الأنفاس التي أصبحت صفةً ملازِمة لانعقاد جلسات مجلس الوزراء باعتبارها محطات للصراع السياسي لا جلسات لاتخاذ القرارات الملحة في سائر الأزمات. وفي هذا السياق تحديداً، توحي الاستعدادات التي أطلقها زعيم «التيار الوطني الحر» ميشال عون، أول من أمس، من خلال حملته الحادة جداً على «حكومة النفايات» كما وصفها وعلى قائد الجيش العماد جان قهوجي، محذِّراً إياه من وضْع الجيش في مواجهة مع أنصاره، بأن الخميس المقبل على الأرجح سيكون يوم التصعيد العوني في الشارع. وتضاربت المعطيات الى حدود واسعة أمس، غداة هجوم عون الحاد على الحكومة وقائد الجيش وخصومه السياسيين. ففي المقلب القريب من قوى «14 آذار» والمستقلين وحتى القريب من رئيسيْ مجلس النواب نبيه بري والحكومة تمام سلام، لا يبدو ان التهديد العوني يثير مخاوف واسعة من تصعيد شعبي كبير نظراً الى إخفاق التجربة الأولى للعونيين في الشارع قبل أكثر من شهر، ثم لأن المعطيات السياسية التي استند إليها التمديد للقيادات العسكرية الأسبوع الماضي، كشفت مدى الانسجام القائم بين قرارٍ داخلي بالحفاظ على الاستقرار وبين مناخ دولي وإقليمي داعم تماماً لهذا التوجه. وهو الأمر الذي يترتّب في رأي هذه الاطراف على عون ان يفهمه وان يقرأه بوضوح، وعلى الأرجح فهو قد فعل ذلك، ولكن يصعب عليه ألا يسجل ردة فعل تحفظ له ماء الوجه، على الأقلّ بعدما مُني بانتكاسة شديدة السلبية. وفي المقابل، تجزم أوساط نيابية معنيّة في الفريق العوني عبر «الراي» بأن «ثمة مفاجأة كبيرة قيد الإعداد المتقن على صعيد النزول الى الشارع لأنصار (التيار الوطني الحر) هذه المرة، سيجري عبرها وضْع حد حاسم للتمادي في ما تصفه الانقلاب الدوّار والمستمرّ عبر الحكومة وقيادة الجيش على الفريق العوني ومحاصرته وضرْبه بامتدادات اقليمية وخارجية واضحة،. وتفيد هذه الاوساط بأن«عون تَقصّد ألا يعلن موعد تَحرُّك أنصاره وطبيعة التحرك وأمكنته حتى أمام النواب في (تكتل التغيير والإصلاح) في اجتماعه، أول من أمس، وذلك استكمالاً للاستعدادات الجارية على قدم وساق لإطلاق التظاهرات العونية بغية الإعداد جيداً لمفاجأة من الطراز الثقيل من شأنها قلب المشهد الداخلي رأساً على عقب في مواجهة محاولة كسْر الفريق العوني وجعله (كبش محرقةِ) مرحلة الانتظار الداخلية الراهنة». وتشدد هذه الاوساط على ان«خصوم عون جميعاً يرتكبون خطأ فادحاً باستخفافهم الذي أظهرته ردود الفعل على مواقف عون الأخيرة، والتي بدوا من خلالها قاصري النظر تماماً، في عدم قراءتهم لدلالات التحذير المباشر غير المسبوق الذي وجّهه عون الى قائد الجيش غداة التمديد الثاني له، وأن معنى هذا التحذير لا يمسّ إطلاقاً العلاقة العضوية القائمة بين جمهور عون والجيش، بل على العكس فإن هذه العلاقة بالذات جعلت عون يطلق تحذيره للعماد قهوجي بصفة شخصية، وهو ما يتعيّن على الأخير فهم دلالاته قبل ارتكاب أي خطأ فادح جديد». وتبعاً لهذه المعطيات، تشير المعلومات المتوافرة الى ترجيح أن يكون عون في صدد انتظار الفرصة الأخيرة قبل إطلاق التصعيد في الشارع الخميس المقبل، أي موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي دعا اليها رئيس الحكومة أول من أمس، اذ يصعب الجزم بالموعد ما دام عون يريده نقطة مفصلية في الصراع. ويسود انطباع واسع باستبعاد تحرك أنصار عون الاربعاء المقبل، حيث سيكون وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في زيارة لبيروت. وفي الوقت نفسه تجرى مساعٍ سياسية حثيثة يتولى«حزب الله»الجانب الأساسي فيها، لتعويم تسويةٍ تستند الى التزام تحريك مشروع تعديل قانون الدفاع الوطني بتمديد سنّ التقاعد للضباط في الجيش، الذي يذكر«التيار الوطني الحر»انه حصل على تعهدات بتحريكه عشية التمديد لقائد الجيش ورئيس الاركان والامين العام لمجلس الدفاع الأعلى، ثم جرى الانقلاب على المسعى الذي قاده المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم ووزير الداخلية نهاد المشنوق. ولا تشير المعطيات حتى الساعة الى أجواء مسهّلة للعودة الى هذا المخرج الذي ترفضه او تتحفظ عليه غالبية القوى السياسية المشارِكة في الحكومة كما قيادة الجيش نفسها، ولكن لا يبدو ان ثمة مخرجاً بديلاً بعدما صار التمديد صفحة مطويّة ويستحيل تالياً استجابة طلب عون بأن يتّخذ مجلس الوزراء قراراً بالانقلاب على قرار التمديد عبر تعيين قائد جديد للجيش هو صهره العميد شامل روكز. وكان لافتاً في هذه الأثناء الانتقاد الضمني الذي وجّهه صهر عون وزير الخارجية جبران باسيل للكنيسة على خلفية ما اعتبره«الموقف المتفرّج حيال عملية الإلغاء السياسي التي نتعرّض لها». ففيما كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يصف اتفاق الطائف بأنه«أجمل صيغة للبنان لأنه يطير بجناحيْه المسلم والمسيحي ولن يكون أي جناح من الاثنين مكسوراً»، أعلن باسيل من زحلة«انه كلما زاد التحدي زادت الصلابة لدينا اكثر داخل المؤسسات وخارجها، لانه اذا كان أحد يعتقد أننا أناس نتراجع عن أمور مبدئية فهو مخطئ، لأننا نشكّل ما تبقى من أمل للحفاظ على الحقوق المسيحية، ولن نتنازل عنها لأن النيّات واضحة بعدم القبول بالشراكة في ظل كل هذا المشهد الداخلي الموجود،خصوصاً أن هناك إرهاباً يدخل علينا بلباس طائفي بالسلاح وبالسيف وبلون لا يمثل حقيقة الدين، انما يتكلم معنا بلغة الدين بهدف قتلنا وإزالتنا البشرية»، مضيفاً:«يترافق مع هذا الامر إرهاب سياسي لإزالتنا السياسية ولإزالة دورنا في البلد، وهذا يزيدنا خوفاً وقلقاً على موضوع الشراكة، ونقول هنا إن الكنيسة لا يمكنها الوقوف كمتفرج أو كمعبّر عن الرأي، ونعتبر أنه لا يكفي التعبير عن الرفض للارهاب والرفض للمسّ بالأقلّيات في الشرق، وكذلك وبالمقدار نفسه عليها أن تعبّر عن رأيها إزاء عملية الالغاء السياسي الذي نتعرض له ويحاولون ممارسته علينا».