نعم، أنا أيضاً أعتقد أن مسلسل «غداً نلتقي» عنصري، ولكن ليس كما رأته القناة اللبنانية «mtv». «غداً نلتقي» عنصري لأنه جعلني أحب جزءاً من حياتي وأنا أتابعها على شاشة التلفزيون درامياً، أنا وردة في «غداً نلتقي»، على رغم أنني لم أقابل يوماً إياد أبو الشامات ورامي حنا الكاتب والمخرج. الإضاءة العاتمة في المسلسل زادت في ضعف عينيّ، ولكنها ساعدتني على تفسير الدموع التي اعتادت خيانتي منذ أربع سنوات. أنا وردة «غداً نلتقي» التي اغتصبت في حمص، ودفنت أمها وأبوها تحت أنقاض بيتها، ولا تعرف شيئاً عن أخويها، ولكنني ايضاً تلك التي حافظت على ابتسامتها في لبنان كما «وردة» إياد أبو الشامات ورامي حنا، ولم تبع نفسها ببضعة آلاف من الليرات اللبنانية من أجل إنقاذ حبيبها، ولكنها بيعت في بلدها واغتصبت مراراً وألقيت في غرفة باردة لأشهر. انه زمن الثورة، وفي مثل هذه الأوقات لا نملك كثيراً ترف المساءلة والمحاسبة. أحببت «شاعراً صحافياً مثقفاً سكيراً مصدوماً بالواقع ومنسلخاً عنه قليلاً». بعضهم أحبه، وبعضهم كرهه، وآخرون بكوا معه وعلى أنفسهم. أنا وردة التي لم تر في انهيارات الحبيب ورثائه لذاته إلا شاعراً يقتل نفسه آلاف المرات حين تمكن الواقع من قهر خيالاته. شاعر صدمته حقيقة أن للدم صفات أخرى غير الأحمر. المثقف المؤيد للثورة، الشاعر الذي أنشد قصائد محمود درويش حتى علق داخلها، اكتشف أن قصيدته لا تشبه الحياة الحقيقية. صدمه منظر الموت، ولم يصدق العنف فعاد أدراجه إلى قصائده لترتاح نفسه وضميره. وعندما حمل السوريون السلاح ليدافعوا عن أنفسهم، لم يجد قصيدة مناسبة للحدث، فخرج من بلده وبكى على ثورة لم يعشها، واتهم الجميع بسرقة ثورته، ولكنه بقي مخلصاً لفكرة أن النظام قاتل والشعب مغلوب على أمره. أما أنا «وردة غداً نلتقي»، فأحببته على رغم قوتي وضعفه، وأحببت شعره الذي لم أفهم منه شيئاً، وعندما مات بكيته. أنا، وردة غداً نلتقي، لم أتأثر بإعدام أبو عبدو على يد «داعش»، ولم أحزن على خلود عندما قتلها من أغرته ليقتل زوجها، ولكنني سعدت كثيراً عندما تزوجت رباب رغماً عن أبيها، وسعدت بأم عبدو «بنت البلد» التي تمردت على الظلم، وكرهت تعامل زوجها «القاسي والمتخلف»، واتخذت موقفاً ضده، ولم تتخل عنه في ضيقه. أم عبدو تشبه أمي، الاثنتان قويتان، الاثنتان وقفتا ضد الظلم، الاثنتان قاومتا الموت من أجل أولادهما، والاثنتان فقدتا كل شيء في لحظة مسروقة، أمي ماتت إلى جانب أبي الذي كان عكس أبو عبدو، وأم عبدو ماتت روحها عندما هرب ولدها إلى «داعش». أنا «وردة غداً نلتقي»، السورية التي أبكت الجميع، وتسولت أمام أبواب السفارات، وعملت مغسلة موتى، وباعت جسدها كي لا يموت قلبها، وأضعفت بصرها الدموع. أنا «وردة غداً نلتقي» لا أعرف سبباً لحزني، ولا سبباً لفرحي، أحكي عن بلدي وكأنه الجنة، وأهرب منه أكثر مما أهرب من جهنم. أنطق اسمي وجنسيتي بخوف، وأحقد على كل من ينظر إلي على أنني متسولة. أنا «وردة غداً نلتقي» ولكنني أكثر بؤساً وأقل جمالاً، لم أصل فرنسا، ولكنني كنت سعيدة جداً بوردة التي تتكلم الفرنسية، و»لولا فسحة الأمل» لما ابتسمت للكنتها، ولما ضحكت من الخيمة التي أعيش فيها بالمخيم، ولما تجرأت واعترفت «نعم لقد اغتصبوني في بلدي».