لم تقتصر انتكاسة «حزب العدالة والتنمية» على النتائج المتراجعة التي حقّقها في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة التي شهدتها تركيا يوم 7 حزيران (يونيو) 2015 وحسب، بل فشل الحزب الإسلامي الحاكم في تشكيل حكومة ائتلافيّة أيضاً. ذلك أن تشكيل أيّة حكومة من هذا النوع سيملي تقديم تنازلات واضحة وصريحة وجدّية لأحزاب المعارضة الثلاثة (الشعب الجمهوري، الحركة القوميّة، الشعوب الديموقراطي)، بخاصّة منها ما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة، وتحديداً التدخّل التركي في الشأن السوري. فالأحزاب الثلاثة، على رغم تبايناتها العميقة، تتّفق على ضـــرورة تجنيب تركيا النيران المندلعة في سورية، وترفض تورّط حكومة «العدالة والتنمية» وضلوعها في دعم الفصائل الإسلاميّة الإرهابيّة المتطرّفة ومساندتها، كـ «داعش» و «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «جيش الفتح» وغيرها... ولكن غرور أردوغان وجنون العظمة المتفاقم لديه يحولان دون إبداء أي تنازل من هذا النوع لأحزاب المعارضة، لإخراج تركيا من الفراغ والمأزق الدستوري الحاصلين. وبالتالي، فمن أبرز أهداف «الانخراط» الشكلي لتركيا في التحالف الدولي ضدّ «داعش»، إشعال الحرب على الكرد و «حزب العمال الكردستاني»، لكسب أصوات القوميين الأتراك، ضمن حزبي «الحركة القوميّة» و «الشعب الجمهوري»، في الانتخابات البرلمانيّة المبكرة التي يدفع أردوغان وحزبه تركيا باتجاهها، علّها تنتشل «العدالة والتنمية» من أزمته ومأزقه الداخلي العميق. وإذا لم تفرز الانتخابات المبكرة نتائج تصبّ في طاحونة طموحات أردوغان في تحقيق حلمه بإقامة نظام رئاسي، أو أقلّه تشكيل حكومة ائتلافيّة تحفظ للحزب ماء الوجه، وإذا خسر الحزب المزيد من النقاط والأصوات، لصالح «الحركة القوميّة» و «الشعب الجمهوري»، فأيّة حكومة ائتلافيّة بين هذين الحزبين الأخيرين ستعني بداية نهاية أردوغان والأردوغانيّة، حيث ستبدأ الحكومة الجديدة بفتح كل الدفاتر القديمة كقضايا الفساد وأخونة تركيا وأسلمتها، وربما محاكمة أردوغان وحزبه وقياداته بتهم الفساد وهدر المال العام ومناهضة العلمانيّة والدستور، وربما الخيانة، ودعم الجماعات الإرهابيّة. لذا، ينظر أردوغان وحزبه إلى أيّة انتخابات مبكرة مقبلة على أنها مسألة حياة أو موت، وفق مبدأ «نكون أو لا نكون». وفي حال لم تفرز الانتخابات المقبلة حكومة جديدة، وبقي الوضع على حاله، وسقطت البلاد في الفراغ والفوضى، فلن يقف الجيش متفرّجاً على البلاد وهي تتّجه الى انتخابات ثالثة أو رابعة، بل سيتدخّل حاسماً الأمر، بانقلاب كالذي شهدته بلدان أخرى في منطقتنا، مطيحاً حكم الإخوان المسلمين الأتراك، الذي امتدّ من 2002 ولا يزال قائماً. عندها، سيمارس إخوان تركيا ما مارسه ويمارسه «إخوان مصر» من إرهاب وعصيان ضدّ الدولة، وبشراسة ودمويّة أكبر، وعلى نطاق أوسع، فيؤدي فعلهم ما أداه نظام بشار الأسد الذي دمّر سورية تحت شعار «الأسد أو نحرق البلد». وإذا ما انزلقت تركيا، لا سمح الله، نحو السيناريو الانقلابي، فسيحقّق أردوغان ما هدّد به بشار الأسد من إغراق المنطقة في الحروب الأهليّة. ذلك أن كل الألغام القوميّة والدينيّة والطائفيّة الموقوتة في تركيا، ســتنفجر دفعة واحدة، وقد يمتدّ الحريق إلى مناطق البلقان والقفقاس وأوروبا. والحال، أن لغة الكراهية التي أشاعها أردوغان في رئاسته للحكومة ثم للجمهورية، ضد معارضيه جميعاً، غذّت وعززت فاشيّة مركّبة لدى القواعد الجماهيريّة الموالية لـ «العدالة والتنمية» المستفيدة من الحكم طيلة 13 سنة، وغير المستعدّة للتنازل عنه حتّى ولو على أنقاض تركيا.