أظهرت مقاطع الفيديو المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي حجم العنف والتخريب الذي ارتكبته العمالة الاثيوبية في المملكة. وزاد من عنف هذه المشاهد صلف الموقف الرسمي الاثيوبي الذي يعتبر ان ما حدث هو نتيجة استفزاز. وينسى التحريك الدولي لمجاميع من المرتزقة للتظاهر امام السفارات السعودية احتجاجا على عمليات تصحيح الأوضاع في المملكة بدعوى انتهاك حقوق الانسان. وكأن الرسالة تقول لنا بلادكم مستباحة نعبث فيها كيف نشاء وليس لإنسانها وأمنه اية حقوق. تلك الصورة لم تُظهر التخريب والتطرف فقط وإنما أظهرت طبيعة التحرك المنظم والمسيرات والهرولة العسكرية وغيرها من حركات مستفزة، تجعلنا جميعا أبناء المملكة نقف في وجه هذا التطور الخطير للتشكيلات شبه العسكرية والمليشيات المعادية تحت غطاء العمالة الوافدة. الحقيقة باتت واضحة للعيان وهي أن اليمن اصبح ممرا آمنا لكل متسلل من افريقيا للجزيرة العربية، وبالتالي اصبح موضوع الحدود ذا أهمية قصوى في التطبيقات التقنية للرصد والتعقب. وإلا فالنتيجة هي استمرار تشكّل جيوب ثقافية عرقية على شكل ميليشيات نائمة يتم تحريكها لزعزعة الأمن متى ما وجد من يدفعها او يدفع لها. والامن هنا ليس سعوديا فقط وإنما هو اخطر على استقرار دول شبه الجزيرة العربية وتحديدا دول الخليج وتركيبتها السكانية. ولو كانت هذه المليشيات تتكون من المرتزقة المأجورين لكان الامر سهلا، ولكنها مأجورة ومدفوعة ببنود من عقائد حقد دفين. والتخوف من ظهور مثل هذه المليشيات دفع الولايات المتحدة التي ترمز لنفسها بالمدافع عن حقوق الانسان وارض الحليب والعسل ومع هذا قامت بجمع اليابانيين ووضعتهم في معسكرات احتجاز حتى لا يتحول البعض منهم الى طابور خامس في خاصرة الدولة التي تحارب اليابان. وكذلك فعلت نفس الشيء بشكل اقل محدودية عندما احتجزت الالاف من المهاجريين الكوبيين بالرغم من دعوتهم للهجرة لبلاد الحرية لتكتشف ان جل هؤلاء المهاجرين ما هم الا نتاج تفريغ فيديل كاسترو للسجون ليقضي المحكوم بقية عقوبته الاجرامية في الشوارع الأمريكية. ونحن هنا لسنا امام تنظيم عادي من الاثيوبيين. فطالما انهم لم يسلكوا الطرق النظامية لتصحيح أوضاعهم وخروجهم في تحد سافر امام الحملات الأمنية واعتدائهم على الآمنين من بقية الجنسيات وما ذلك الا تعبير او استعرض لتلك القوة الوهمية التي بنيت في رؤوسهم. ويعززها تلك المواقف الرسمية المخجلة لأثيوبيا والتي تدل على الاستهتار بالعلاقات الدولية مع المملكة. فماذا نريد منهم؟ وماذا يريدون منا؟ انها لحظة المصارحة لخلق علاقة تحفظ المصالح والامن وتحمل المسؤولية. وكذلك الاستعداد بالعقوبات التي تأخذ الامن الوطني أولا، ومن يخالف ذلك عليه مغادرة البلاد على نفقته او على نفقة من يسر له الدخول. قد لا يتفق البعض معي ان تلك التشكيلات المخيفة التي تهرول داخل الاحياء هي ميلشيات، وانا أقول ربما هي اخطر. وكيف هي اخطر في كونها تحولت من جيوب عرقية الى مؤسسات تعمل في الظل وتتكون من قيادات محلية ومصارف ظل واستقدام وتهريب العاملين والعاملات، وربما محاكم مجتمعية للتزويج وفض الاشتباكات بعيدا عن النظام المعمول به في المملكة. فالتسامح الذي حظيت به تلك الجالية لم ينعكس سلبا على السعوديين فقط وانما على كل قادم شريف من الجنسيات الأخرى اتى لكسب قوته والمشاركة في دفع العجلة التنموية. ولكن التاريخ الحديث كشف لنا عن وجه جديد لتكوين الميليشيات فبعد ان كانت لمواجهة المستعمر أصبحت الآن نتاج غرس لأفكار ايديولوجية في بعض الجماجم الفارغة والعقول الناقصة لتعتقد انها أتت في حرب مقدسة لا رحلة لكسب العيش. وبالرغم من الاسى والألم الذي عاشته بعض احياء مدننا الا اننا نحمد الله ان كشف لنا عن هذا الوجه البغيض الذي يمكن ان ينتج من التشكيلات العرقية المنفلتة لتصبح فيما بعد عدوا يثير الفوضى من الداخل. اعود واكرر ما ذكرته في مقال الأسبوع الماضي يجب ان نعيد الهيبة للعلوم الاجتماعية ودراسات الجريمة للمؤسستين العسكرية والبحثية. وان نخصص ما تستحق تلك الدراسات من الميزانيات بناء على التصميم والتحكيم الجيدين لتلك الدراسات. ونحن نعرف الآن ان ما لا يقل عن ثلثي دراساتنا الاجتماعية تستمتع بالبقاء في الادراج لتراجع أهميتها التطبيقية. فتجربتنا الحالية علمتنا ان المودة الظاهرة والعداوة المبطنة والمنظمة لا تجتمعان الا عند حاقد. والعاقل من وعظته التجارب واعتمد على عمله في درء الفتن. والحقد دوما هو اصل الفتن وسببها.