الجامع الكبير بصنعاء بني في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (في السنة السادسة للهجرة) ويعد من أقدم الجوامع الإسلامية بعد مسجد القبلتين والحرم النبوي الشريف.. وقبل أربعين عاماً فقط سقط جزء من سقفه القديم فاكتشف فوقه مصحف إسلامي أخفاه شخص مجهول بمهارة شديدة.. ويعتقد بعض الباحثين أن المصحف خاص بالصحابي الجليل "وبر بن يحنس الأنصاري" الذي ولاه الرسول على صنعاء وأمره ببناء مسجد فيها - وللأمانة أشير إلى وجود آراء أخرى تحدد تاريخ المصحف إلى ما بين 100 إلى 250 للهجرة.. وأيا كانت الحقيقة لا يقلل هذا من قيمته الأثرية وحقيقة أنه النسخة الوحيدة التي تبقت بعد حرق النسخ الأخرى زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه (ويرجح هذا الرأي أن المصحف المكتشف لا يملك نقاطاً، وأن تنقيط الحروف لم يظهر إلا زمن الأمويين بأمر من الحجاج بن يوسف).. على أي حال؛ ليس مجالنا اليوم الحديث عن تاريخ الكتابة أو دوافع إخفاء هذه النسخة بل عن (فكرة إخفاء شيء مهم) كي تكتشفه الأجيال التالية بعد قرون طويلة من نسيانه أو فقد مايشابهه.. وهذه الفكرة ليست جديدة تماماً حيث يعتبر الفراعنة أول من فكر بها ونفذها على نطاق غير مسبوق.. فالمدافن والمقابر التى أُنشئت قبل 4000 عام تضمت آثاراً ووثائق تركت لنا لنكتشفها في هذا العصر. وحتى اليوم ماتزال أهرامات الجيزة أضخم ثلاث كبسولات في التاريخ لم تخبرنا بكامل أسرارها بعد! أما اكتشاف نسخة صنعاء فذكرني باكتشاف رقائق التوراة الأصلية عام 1947 في 37 مجلداً في أحد كهوف البحر الميت ومازالت إسرائيل ترفض نشرها حتى الآن (وكتبت عنها مقالاً مفصلاً تجده في النت تحت عنوان: مخطوطات البحر الميت)!! أما فيما يخصنا نحن - أبناء هذا الزمان - فبالتأكيد لم نكن لنسمع بكل هذا لو لم يفكر أحدهم قبل عشرات القرون بنقل شيء من تراث الماضي إلى العصر الحاضر (وأعتبرها شخصياً بمثابة كبسولة زمنية من النوع القديم)!! ... و"الكبسولة الزمنية" مصطلح يطلق على كل حاوية تضم أشياء من الحاضر يتم دفنها أو إخفاؤها أو حتى إغراقها كي يعثر عليها أبناء المستقبل.. وهذه الفكرة دخلت في بعض الدول إلى النطاق الرسمي والعسكري والعلمي؛ ففي أمريكا مثلاً مازال البنتاجون يخزن أهم مستنداته فى تجويف عميق تحت جبال روكى. وأثناء الحرب الباردة شعرت ألمانيا أنها ستكون ضحية الحرب بين روسيا وأمريكا فخزنت وثائقها المهمة فى نفق عميق فى مدينة هامبورج. أما السويد فكانت الأكثر عقلانية حيث دفنت بويضات وحيوانات منوية لمواطنيها في حاويات نتروجينية لتخصيبها بعد انتهاء المحرقة النووية!! أما آخر محاولة مهمة من هذا النوع فتم الإعلان عنها في بريطانيا في يوليو 2004 من خلال مشروع تبنته جامعة توتنجهام (ويطلق عليه مجازاً سفينة نوح) حيث يقوم علماء الوراثة بتخزين الأصول الوراثية للكائنات المهددة بالانقراض على أمل أن تتمكن أجيال المستقبل من استنساخها لاحقاً! ... أنا شخصياً أتساءل عن المانع في إنشاء (كبسولة وطنية) تضم ليس فقط مقتنياتنا وصورنا ووثائقنا الخاصة بل وتسجيلات رقمية وأفلاماً تلفزيونية يمكن لسكان المستقبل اكتشافها وتشغيلها بعد ألف أو ألفي عام من الآن!! … لا تستخف بالفكرة، فمن ترك لنا مصحف صنعاء، ومخطوطات التوراة، كان يرى لما بعد ألف عام من ذلك الزمان…