في مقولة تقول الغداء لا يقدم مجاناً وهذه المقولة تعني الكثير للتفاعل البشري الإيجابي، فالكائنات الحية بصفة عامة تتفاعل مع بعضها أو مع كائنات أخرى انطلاقا من مبدأ التعزيز والثواب والعقاب، فعندما نعتني بالشجرة ونرويها بالماء ونهتم بغذائها باختيار الأسمدة والعناصر الغذائية تقدم لنا الفواكه والخضراوات والظل والأخشاب والزهور وتحسن الجو وعكس ذلك لن يكون حتى علاقتنا بالله خالقنا فنقوم بأفعال وسلوكيات إيجابية من صدقة وزكاة وتعامل بالإحسان وخدمة البشرية والحضارة لنأخذ مقابله حسنات ووعداً بالجنة. هذا القانون والسنة في الحياة ليس له ثمن ولا يمكن أن تثمنه بثمن لأن هناك ثمنا غير مادي وهو الثمن العاطفي والانفعالي وهذا الثمن أو القيمة بالتأكيد ستنعكس على الجوانب المادية في الحياة ابتداء من الجسد فالعلاقة قوية وحساسة ومتلازمة وسريعة ما بين العقل والبدن وما يمكن أن يلقاه العقل من تعزيزات وإثابات.. وهذا القانون أحد القوانين الإجبارية لبقاء الكائنات الحية في الوجود والعملية ليست اختيارية فمن لا يزرع ويهتم بالزراعة لن يجني الحبوب والغذاء والخشب، فإذا لم تقدم مقابل هذه العناية فلن تكون هناك شجرة فالحياة أخذ وعطاء وتبادل وتناغم في الأدوار وليست صراعا في الأدوار لأن نتيجة الصراع أيضاً الفناء. اليوم نعتبر الثواب والتعزيز مهارة تدرس وتدخل في جميع علاقاتنا بما في ذلك العلاقة بالمادة فإذا لم تبذل عرقاً ونشاطاً ليتحول الصخر إلى تمثال أو مسكن فلن يحدث ذلك، ومع أننا كخبراء في السلوك نسعى إلى تعزيز هذه الجوانب في الحياة إلا أننا ندرك أنها في الأساس هي القاعدة الرئيسية للتفاعل والتعامل بين البشر وبين البشر والكائنات الحية الأخرى وأيضاً الجماد وأنها عملية يجب أن تكون أو لا نكون وما نفعله هو إبراز لتلك القوى الكامنة وتفجيرها لصالح الإنسان وان إهمالها أو تأخيرها أو الصراع للحصول عليها هو خلل وأزمة في الحياة وقد تؤدي للمرض والفناء. إذاً لابد أن نعقل وندرك أنه لا يوجد شيء في هذا الكون بدون مقابل وأن هذه من سنن الحياة والبقاء وإذا حاولنا أن نعكس هذه السنة والقانون فلن نستطيع وسنكون أول الخاسرين وأن القضية ليست حبا أو كرها أو حسن استظراف أو من مجاملات الحياة أو باستطاعتنا عدم القيام بها، بل هي مسئولية وواجب وأخلاقيات إذا لم نقم بها ونحترمها فانها ستجلب لجميع الأطراف الألم والأذية وعدم بقاء أي كائن حي أو غير حي على الأرض. نحن عندما نلعب ونستهتر بهذه السنن الكونية لا ندرك حجم الضرر والأذى والدمار الذي نحدثه في الكون فكيف إذا كان ذلك الكائن هو الإنسان الصديق والشريك والأم والأخ والأخت والزميل كم سيكون حجم الأذى والضرر؟ أعتقد نحن بحاجة إلى كشف حساب لنحاسب أنفسنا على حجم الضرر والألم والمعاناة التي أوقعناها في الكون والبشرية نتيجة الأنانية والتمركز حول الذات والبخل الشديد في العطاء مقابل ما أخذناه.. يجب أن نحاسب أنفسنا على كل ما أخذناه من سعادة ومادة ولحظة فرح وعلى كل لون من ألوان الأزهار وشمة رائحة ورد أو عطر قدم لنا لنكون سعداء وعلى معاناة الأم التي حملت تسعة أشهر وخافت وعانت من أجل أن نرى الوجود جميلاً بدون ألم أو معاناة وعلى كل شيء في هذا الكون . في آخر اليوم أو الأسبوع أو الشهر والسنة نقيم أنفسنا عاطفيا وانفعالياً وجسمياً وأيضاً اجتماعياً وكونياً بسؤال واحد ماذا قدمنا وماذا (يجب) علينا أن نقدم.