طرابلس: سوسن الأبطح نحو التاسعة من صباح أمس، انطلقت وحدات من قوى الأمن الداخلي، من سرايا طرابلس، باتجاه الضاحية الشمالية للمدينة، أي في حي باب التبانة (غالبية سنية) وحي جبل محسن (غالبية علوية) المتنازعين، لتنفذ انتشار واسع، يشمل، بشكل خاص، الأحياء والأزقة الداخلية التي كان المسلحون منعوا دخول الجيش اللبناني إليها. وتأتي هذه الخطوة، في إطار المساعي المتواصلة، لضبط الفلتان الأمني الذي تعانيه المدينة على خلفية الأزمة السورية، ولمنع اندلاع معارك جديدة بين المنطقتين المتلاصقتين والمتقاتلين منذ عام 2008. ووضعت وزارة الداخلية خطة أمنية تقضي في جزئها الأول بوقف المعارك وإعادة انتشار الجيش اللبناني في النقاط التي كان متمركزا فيها، في الشوارع الرئيسة في المنطقتين من دون الدخول إلى الشوارع الضيقة والأزقة. وهذا ما كان نفذ خلال الأسبوعين الأخيرين. وتقضي المرحلة الثانية التي بدأ تنفيذها صباح أمس بدخول قوات بالمئات، من عناصر الأمن الداخلي ليتمركزوا في نقاط ثابتة، ويسيروا دوريات مؤللة، ويعملوا على حفظ الأمن، خاصة أن حوادث إطلاق النار وتفجير القنابل باتت شبه يومية. ودخلت وحدات من قوى الأمن الداخلي تضم آليات عسكرية ومصفحات وناقلات جند برئاسة قائد سرية طرابلس العميد بسام الأيوبي، إلى المنطقتين، بالتراضي ولم يسجل أي حادث أمني يذكر. وأوضح قائد سرية طرابلس، العميد بسام الأيوبي، خلال انطلاق الوحدات: «سننتشر اليوم ونقيم نقاطا ثابتة ودوريات سيارة ومؤللة وحواجز نقالة. وقد سمعنا من الأهالي ترحيبا كاملا بالانتشار، ونعمل على أن نكون على قدر ثقتهم بنا. فلقد عانت هذه المناطق جولات عنف عدة، وأبناء المدينة يرفضون ذلك، وسنعمل من الآن على بدء تنفيذ الانتشار». وشوهدت آليات الفهود، وهي الفرق المدربة على التدخل السريع في شوارع باب التبانة، كما كان انتشارا واسعا للعناصر، بينما بقي الجيش اللبناني على حواجزه الثابتة المعتادة، لتصبح المنطقة بعد أن عزز الجيش من وجوده، أشبه بثكنة عسكرية يختلط فيها رجال الأمن والجيش. وهي المرة الأولى عمليا التي تتولى فيها قوى الأمن الداخلي دخول هاتين المنطقتين الساخنتين، بينما كان يترك الأمر للجيش اللبناني، لإسكات المعارك التي تندلع بين الحين والآخر. بينما تقضي الخطة الجديدة بأخذ «قوى الأمن» المبادرة بالرد على المعتدين، في حال إطلاق النار، ويستدعى الجيش للمؤازرة في حال توسع الاعتداءات. وأعرب مقاتلون من باب التبانة عن رضاهم لرؤية الدرك في منطقتهم، وقال بعضهم إنهم يتعاملون بسهولة أكبر مع عناصر «قوى الأمن»، كما أنهم يشعرون بالرضا، لأن الضباط الكبار في هذه الوحدات هم من الطرابلسيين الذين يسهل التواصل معهم. كما أعرب «الحزب العربي الديمقراطي»، في جبل محسن، عن رضاه، أيضا عادا أن «من حق قوى الأمن الداخلي الانتشار على الأراضي اللبنانية، حيث ترى ذلك مناسبا». وعد النائب محمد كبارة «الانتشار يجري برضا الأهالي والمشايخ وعلماء الدين والسياسيين، وعلى الأجهزة الأمنية المخولة الاهتمام بالأمن والعمل على حفظ حياة المواطنين وممتلكاتهم». وقال أحد فاعليات باب التبانة، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «الرهان الآن، هو على قدرة هذه الوحدات الأمنية المنتشرة، على منع اندلاع الشرارة الأولى لأي اقتتال. فالمشكلة الحقيقية تكمن حين يبدأ إطلاق نار صغير ولا تجري السيطرة عليه، لأنه حين تكبر المعارك وتتوسع فلا الجيش ولا (قوى الأمن) يعود بمقدورهم ضبط الوضع. ما تسعى لعمله القوى الأمنية المنتشرة الآن، هو إيقاف المعركة قبل حدوثها». وإذ يعرب السكان عن ارتياحهم لوجود عناصر أمنية بهذه الوفرة في الشوارع والأحياء إلا أنهم يقولون إن الجيش اللبناني كان ينتشر بأعداد وفيرة أيضا، لكن بمجرد أن يمر أسبوعان أو ثلاثة ويعم الهدوء، تسحب العناصر ويخفف عددها، فيسهل اندلاع معارك جديدة»، متمنين هذه المرة أن تكون الدولة جادة في ضبط الوضع وعدم السماح بانفلاته مرة أخرى بشكل واسع. وكان وزير الداخلية، مروان شربل، ذكر في مؤتمر صحافي عقد منذ يومين، أن انتشار «قوى الأمن»، سيشمل كل مدينة طرابلس وأحيائها ولن يقتصر على مناطق الاقتتال، وهو ما يعني أن الأيام المقبلة ستشهد تنفيذ الخطوة نفسها التي شهدها باب التبانة وجبل محسن، ولكن في المناطق المتبقية من المدينة.