انسجام المبررات ..! حمد عبد العزيز الكنتي يا للغرابة ..! كلما فكرت في شيء جاءتني المبررات من كل حدب وصوب تؤيدني في فعله ، وتدعمني لكي أقوم به ! تقرر فجأة أن تذهب إلى البحر لكي تقوم بالسباحة ، فتأتيك المبررات سريعا قائلة لك ( ما أجمل السباحة ، وما أحلى فوائدها على الجسم ... ) وتواصل المبررات تدفقها حتى تقنعك بالذهاب إلى البحر ، رغم أن الجو بارد جدا ..! تهم بالنوم في ليالي العمل لكي تستيقظ مبكرا ، فيتصل بك صديق يريد منك مرافقته إلى بعض اللهو . فتاتيك المبررات سريعا قائلة لك ( ستلحق النوم فهو لن يطير ، ما أجمل السهر مع الأصدقاء ، هذه فرصة لا تفوت ، خصوصا أن صديقك فلان قد يسافر بعد أيام ) وهكذا تتوالى المبررات حتى تقنعك لتقوم من فراشك ، وتجدك في سهرة لا تنقضي حتى الفجر . تضرب أخوك الصغير ظلما وعدوانا ، فتقول لك مبرراتك الآثمة مباشرة ( لا تقلق هو يستحق هذا العقاب ، وضربك له سيساهم في بقاء احترامه لك ! ) ترى نفسك في لحظة ما بدينا وممتلئا ، فتجيبك المبررات الكاذبة بقولها ( أنت نحيل ، وجسدك لا يزال صغيرا ، وانظر هنالك ستجد من هو أكثر وزنا منك وسعيدا في حياته ..! ) تحاول الاستيقاظ لصلاة الفجر ، فتقول لك المبررات الأمارة بالسوء ( إن استيقظت للصلاة فلن تذهب إلى العمل ، لأنه سيتغير برنامج نومك ، وستتضرر حياتك ! ) وهكذا دواليك ستظل المبررات توحي لنا بان كل أفعالنا حسنة ، وحتى وان أزعجنا الضمير ، فإنها ستزخرف كل لحظات العتاب ، وستحول سياط الضمير إلى زهور من المحبة ، لتشعرنا ولو للحظة أننا على صواب دائما ، وان كل اختياراتنا حسنة ، وتليق بنا ، ولمصلحتنا . يا تُرى ..! إلى متى ستظل المبررات منسجمة مع الأنا التي فينا كما يقول المبدع د وليد فتيحي . يا تُرى ..! هل هذه المبررات حبة مهدئة ، تجعل مزاجنا عاليا ومنعشا تجاه كل أفعالنا ، حتى ولو كانت خاطئة فستجملها المبررات ، وستجعلها فضيلة سامية ، وسجية فاضلة . هذه المبررات التي تزين كل أفعالنا ، هي رفيقة للانا التي فينا كما يقول د وليد فتيحي ( والحل في طمسها أو تخفيفها يكمن في مواجهة ذواتنا والاعتراف بأخطائنا ، وعدم تصديق كل المبررات التي نادرا ما تكون في مصلحتنا ، خصوصا إذا كنا بعيدين كل البعد عن ذواتنا الحقيقية) .