كان من المفترض أن يكون الحديث عن أسعار حملات حجاج الداخل، وما ينتابها من مغالاة، ولكن يبدو أن الوقت قد أزف، فكان لزاماً أن يكون الكلام عن أمر عجيب آخر يتكرر سنويًّا، وأعني المبالغة والتعنّت اللتان جعلتا من أسعار الأضاحي ضربًا من الخيال، إلى درجة أنه يمكن أن تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية؛ فهي ترتفع إلى حدٍّ يصعب معه الاقتناع بالقبول أو حتى التفكير بالشراء، ومن يشتري فلسان حاله: "مُكره أخاك لا بطل". وفي كل عام تلوّح الأمانات، وفروع وزارة التجارة بمؤشر الأسعار، وتزعم أنه سيوضح للمضحي أسعار النوعية التي يريدها بحد أدنى، وآخر أعلى، ويظن المقدم على شراء الأضحية أن الوضع سيكون منضبطًا، وربما حمل في جيبه الحد الأعلى الذي أُعلن عنه، ليفاجأ حين وصوله بأسعار تفوق ذلك المؤشر بكثير، في غياب تام للرقابة، وفي وضع محزن سواء من الناحية التنظيمية أو الرقابية، فالفوضى شعار سائد، وكلمة رقيب، أو مراقب هي جزء من القديم البائد. وبودّي أن يشاهد الناس عددًا من السادة المسؤولين عن مراقبة الأسواق يتجوّلون فيها ليذوقوا طعم الفوضى، وليشاهدوا بأعينهم كيف أن الناس يتجرّعون مرارة هذه الأسعار التي لا يمكن وصفها فضلاً عن الوصول لحقيقتها، وأعتقد جازمًا أنها لا تنطوي إلاّ على مؤشر عالٍ للطمع، وتمسك شديد بالجشع من قِبَل الباعة؛ بعد أن تُرك لهم الحبل على الغارب. لا أتصور وجود مانع من مكاتب مؤقتة يستمر عملها لأيام فقط، بحيث يفد إليها الشاكون ويجلس فيها مراقبون لاستقبال الشكاوى، ووجودها سيسهم -في نظري- في ضبط الأسعار إلى حدٍّ كبيرٍ، وبخاصة فيما يتعلق بالمستورد؛ فذلك البائع الجشع سيضع في حساباته إمكانية ذهاب المشتري إلى المكتب وتعرّضه للمساءلة وتعطيله عن البيع والشراء، وحينها سيلتزم قدر الإمكان بمؤشر الأسعار، وحتّى عندما يرغب البائع في الشراء فإنه يعلم حينها أن وراءه مؤشرًا يجب الالتزام بما يرد فيه، فلا يشتري أغنامًا يفوق سعرها سعر المؤشر، بل يتركها عند البائعين أو المصدرين لها، وسينعكس ذلك حتمًا على أولئك؛ لعلمهم اليقيني ألاّ أحد يمكن أن يقدم على الشراء في ظل وجود مؤشر سيلتزم الجميع به. ولكن ذلك يحتاج إلى حزمٍ كبيرٍ، وتكاتف أكبر من جميع الجهات المسؤولة، فالمسألة تتعلق بأداء سنّة مؤكدة يحرص الجميع على أدائها، والمفترض تسهيل أمورهم لأداء هذه الشعيرة، وبأسعار معقولة، وأثمان مقبولة. وربما لاحظ القارئ أني أشرت إلى أن الأضحية سُنّة مؤكدة، والسنة -كما عرّفها الفقهاء- مَن فعلها أثيب، ومن تركها لم يأثم، وهذا هو الذي عليه الإجماع، ومن هنا فواجب الخطباء والوعاظ وأهل العلم تنبيه الناس إلى ذلك؛ بحيث لا يتحمّل المرء فوق طاقته، ولا يلزمه الاستدانة لكي يؤدّي هذه السنة؛ فهي ليست واجبة. ومن هنا فمن ليست لديه قدرة فليس عليه شيء إطلاقًا، بل ولا يأثم أبدًا، لأن الملاحظ أن الناس ربما فهموا أنها من الواجبات المتحتمات فيحرصون عليها، ويستدينون من أجلها، (وربما كان هذا سببًا من أسباب ارتفاع الأسعار المحموم)، وهذا كله ممّا يجب بيانه ويحرم كتمانه، فهل يقوم خطباؤنا ووعاظنا وأهل العلم بهذا الدور الهام؟! والشيء بالشيء يُذكر، فقد أثيرت قبل أيام مسألة التضحية في الخارج عبر مكاتب موثوقة ومؤسسات مرخّصة، وهذه أيضًا من الحلول لمن لا يجدون المبلغ المطلوب للتضحية في الداخل، بل ربما كان هناك من هو أحوج للحوم؛ فالفقر هناك مدقع والحاجة قطعًا أَمَسْ، ولا يشكُّ شاكٌّ في جواز ذلك من الناحية الشرعية، وإن كان خلاف الأولى في بعض المذاهب. إن المرجو هو إيجاد مكاتب متنقلة لمراقبة الأسواق، فقد ثبت في الأعوام الماضية أن مؤشر الأسعار لم يقم بعمل يفيد المضحين، وأن المسيطرين على السوق يتلاعبون بالأسعار، ويفعلون ما يحلو لهم دون حسيب أو رقيب، فهل نطمع في رؤية هذه المكاتب لنرى أسعارًا منضبطة بحد أدنى وأعلى؟! aalqash1@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (68) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain