فرضت التطورات الرقمية وما حققته من قفزات سريعة في السباق الالكتروني على المستوى العالمي بين الشركات الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة تغييراً في التعامل مع سوق الإعلانات في العالم وتغيير قواعده التي لم تشهد تطورات مماثلة للتغيير في الميديا والتسويق الالكتروني. وتبرز الآن ثلاثة اتجاهات ومسارات قائدة في عالم الإعلان الرقمي، هي وفق المدير الإقليمي للأسواق الجديدة في دول أوروبا الوسطى والشرقية في شركة «غوغل» غويتس تريلك «عالم الانترنت والهواتف المتنقلة، ووسائل الاتصال الاجتماعية، تسجيلات الفيديو الإعلانية الرقمية، ومنظومات البرمجة المتخصصة التي في جوهرها تمثل برامج اوتوماتيكية متخصصة في إعداد البرامج الإعلانية وعرضها في السوق الإعلانية الرقمية». وهذا يعني أن الشركة التي تريد الترويج لمنتجاتها في مناطق محددة ليس بمستطاعها الوصول إليها، ولا تملك القدرة على تسويقها والإعلان عنها في شكل واسع، ستتوافر أمامها فرصة الحصول على مادة إعلانية جاهزة أعدها متخصصون في شكل يتيح استرجاع الأموال المستثمرة في إنتاجها من دون خسائر محتملة. التقنيات الرقمية وسوق الإعلان الأساليب التقليدية المتبعة حتى الإعلان في عالم الإعلان والتسوق لم تعد تتناسب مع تطورات التكنولوجيا والعالم الافتراضي، فالغالبية من سكان العالم يستخدمون أجهزة هواتفهم النقالة ليحصلوا على ما يحتاجون إليه من معلومات وحتى للتسوق الالكتروني. ووفقاً لدراسات وبحوث عُرضت في مؤتمر عقد في العاصمة البلغارية صوفيا بعنوان(DigitaLK)، فإن الاتجاه الغالب الآن هو استخدام تسجيلات الفيديو ذات المحتويات الجاذبة والمثيرة للاهتمام، مع بدء انتقال الإعلان من التلفزيون في شكل تدريجي مع تسارع انتقال استخدام الفيديو إلى الانترنت والعالم الافتراضي». ومع الاهتمام الكبير بالإعلان الالكتروني توسعت أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة نحو آفاق جديدة، بعد أن كانت محدودة في السابق في إطار الأسواق المحلية والإقليمية، ما صعب عليها الوصول إلى محطات التفلزيون ووسائل الميديا الأخرى للإعلان عن المنتجات والسلع التي تريد تسويقها إلى فضاءات أوسع وأكبر. الإعلان الرقمي والتجارة الدولية الشبكة العالمية أتاحت لهؤلاء المنتجين والصناعيين في أنحاء العالم في آن واحد إمكان بيع بضائعهم وسلعهم، وتقديم شركاتهم لقطاعات مختلفة من المجتمع. وفي حديث إلى «الحياة»، يقول الخبير في الميديا الدولية غيورغي لوزانوف: «الماركات العالمية التي تحظى بانتشار وقبول واسعين من المستهلكين، أيقن مالكو الشركات التي تصنعها أن الإعلان الالكتروني منحهم آفاقاً واسعة للوصول إلى مستهلكين جدد مختلفين، وعدم الاقتصار على ذلك النوع من المستهلكين الذين يعدون مستخدمين للوسائل الإعلانية التقليدية». وأضاف أن «وسائل الميديا التقليدية وجدت نفسها مضطرة هي الأخرى للتحول من وسائل تسعى لفرض المحتوى إلى ميديا تعطي المستخدم فرصة ليحدد ويصنف المادة التي يريد أن يستخدمها وفي الوقت الذي يحدده هو وليس الميديا كما كان مألوفاً حتى الآن». وتنشغل الشركات الإعلانية الدولية بوضع آليات وقواعد من شأنها أن تضمن التوازن بين محتوى المادة الإعلانية وشكل تقديمها والحؤول دون أن يشعر المشاهد أو المتلقي أن هناك محاولة لتضليله أو فرض هذا المنتوج أو ذاك كون مثل هذا يشكل العنصر الأساسي في فاعلية الإعلان الرقمي. ويقول تريلك في مداخلة له في المؤتمر أن Google AdWords نجحت في تحقيق هذا التوازن،» موضحاً «أن النموذج الذي ابتكرناه ونستخدمه هو أن نقدم إعلاناً للمشاهد لا يحتوي على مادة مصورة ثقيلة للغاية وإتاحة الفرصة للمستهلك أن يحدد ما يشاهده». وفي الفترة الأخيرة انتشرت في شكل سريع أنواع جديدة من الإعلان الالكتروني تعرف باسم native تسعى لأن تمتزج مع بعضها البعض وأن تتضمن رابطة أوثق مع محتوى الموقع الالكتروني. الآن، مالكو الشركات الكبرى يشكون من أن الإعلانات في وسائل الميديا الالكترونية ليست لها عوائد مالية كبيرة، وفي ما يخص «غوغل» فإنها تتمسك لمواجهة هذه الحالة بإظهار الفرق بين الإعلان وبين العمل الإبداعي الخاص وفق ما ذكره تريلك لكي يتمكن المستهلك من تحديد واكتشاف الفرق بين الاثنين. ويتوقع خبراء الميديا اقتحام تسجيلات الفيديو الإعلانية لوسائل الاتصالات المتنقلة بكل أنواعها من الهاتف إلى الآيباد والسمارت فون، بل هي تنتشر الآن وتجتذب العدد الأكبر من الفئات العمرية الشابة. والشرط المهم لنجاح هذه الظاهرة الإعلانية الجديدة يتمثل في وجود رابطة جيدة وسريعة في تلقي الانترنت. وسيساهم دخول تقنية (4G) إلى وسائل الاتصال المتنقلة في تغيير ميكانيزم ونوعية الخدمة الإعلانية في الأسواق في شكل كبير للغاية. وتركز شركات الإعلان في أوروبا الغربية على سرعة استرجاع الأموال التي تستثمرها في مشاريع رقمية وكيفية تطوير وتحسين منظومات البرمجة الرقمية التي تنتشر بسرعة فائقة. واستثمرت هذه الشركات أموالاً باهظة في دول أوروبا الشرقية في محاولة للسيطرة على سوق الإعلانات الرقمية عبر شراء شركات الاتصال الرقمية ودفع أثمان كبيرة لامتلاك أصولها وزبائنها الذين يعدون بالملايين. ووفقاً لما ذكره الخبراء الذين تحدثوا في المؤتمر، فإن «عملية تطوير الأسواق الرقمية المتخلفة في أوروبا الشرقية وشبكاتها وشركات الاتصالات لم تعد تحتاج إلى فترة طويلة حيث تشهد هذه الأسواق تبدلات نوعية وسريعة تقربها يوماً بعد يوم من المعايير الغربية، ولا بد من التذكير بأن الفضاء الالكتروني في بعض أنحاء دول العالم ليس متطوراً وما زالت تحتاج شركات الاتصال في هذه البلدان إلى مزيد من الاستثمارات والوقت لكي تملك التقنيات المتطورة للغاية المستخدمة في دول مثل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال».