يخفى على الكثير من القراء أن الكاتب يحمل في قلبه حبا كبيرا لحروفه. وقد لا يوازي ذلك الحب في عمقه سوى حب الأب لأبنائه. فالكاتب يعتبر تلك الحروف التي نسجها، جزءا منه قد انفصل عنه في ظروف معينة، ولأهداف خاصة، وعن طيب خاطر. إنها لغته وصوته الذي يترجم عاطفته وفكره للعالم أجمع. ولأنها بهذا الحجم وهذه الأهمية بالنسبة إليه، فقد تستغرق كتابتها ساعات أو أياما وقد تصل إلى سنوات! وقد تستلزم تلك الكتابة انعزالا تاما عن الحياة الاجتماعية وصخبها - ولهذا الأمر توابعه - أو الوقوع فريسة لصداعها أو حبستها حين يشعر الكاتب بعدم القدرة على إتمام ما بدأه لسبب ما. لكن تخيل معي عزيزي القارئ، كيف يكون شعور النساج الذي تعب في نسج ثوب أو سجادة من الصوف لأيام، ثم فوجئ بأنها سرقت منه! وكيف يكون حجم ألمه حين يرى السارق يتباهى بزهو أمام الملأ بارتداء ثوب ادعى نسجه! هذا بالضبط ما يشعر به أي كاتب يكتشف صدفة سرقة إحدى جمله أو حتى سطر واحد من كتاباته! هل يبدو الأمر بسيطا؟ قد يرى البعض ذلك، لكنه ليس كذلك أبداً! إنها سرقة! حقيقة ما يحدث اليوم، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، أن القارئ أو المتابع أو الصديق لا يعتبر نقل أي عبارة من عبارات الكاتب التي أعجبته، إلى صفحته الشخصية أمرا سيئا، بل اقتباسا إن لم ينسب ما كتبه لنفسه! رغم أن نشر العبارة في حسابه الشخصي دون نسبة الحروف لنفسه لا تنفي سرقتها! فالاقتباس والذي غالبا ما يكون نقلا حرفيا لبعض العبارات يشترط ذكر المصدر! إلا أن البعض لا يرى أي ضرورة حقيقية لذلك، وقد يجهل أهميته أو يتجاهلها وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وإن كنت سأتحدث عن نفسي، فسأقول بأن سرقة الحروف لا تختلف كثيرا عن سرقة أي شيء آخر، سواء أموالا أو منازل أو غيرها، بل هي أعظم من كل ذلك! فإن من يسرق حرفا كتب بمشقّة، فكأنما اقتلع قلبا من صدر صاحبه ليسرقه. لذا عزيزي القارئ، إن أعجبتك إحدى العبارات الجميلة، ووددت أن يقرأها العالم على حسابك وفي صفحاتك، فمن حقك أن تنقلها وتنشرها، لا بأس، لكن لا تنس ذكر اسم صاحبها تقديرا منك لجمال حروفه، وكونك لا تود أن تكون سارقا للقلوب.