من تتاح له فرصة الاطلاع على استراتيجية التوظيف السعودية، التي تنطلق من مهام وزارة العمل، والتي من أبرزها وضع الخطط ورسم السياسات المتعلقة بتوظيف السعوديين، وسعودة الوظائف في منشآت القطاع الخاص، وما تمثله هذه الاستراتيجية من إطار مرجعي لمعالجة قضايا القوى العاملة والتوظيف في المملكة وارتكازها إلى رؤية تتمحور حول توفير فرص عمل كافية من حيث العدد، وملائمة من حيث الأجر، تؤدي إلى توظيف كامل للموارد البشرية السعودية، وتحقق ميزة تنافسية للاقتصاد الوطني، وكذلك على برامج ومبادرات وزارة العمل التي تمخضت عنها تلك الاستراتيجية حتى الآن، والتي من بينها «نطاقات» و «حافز» و»حملات توطين الوظائف في القطاع الخاص»، ومحاولة ربط ذلك بما تحقق على ارض الواقع، لا يجد المتتبع من معيار للتقييم معبر ودقيق أكثر من النسبة التي يمثلها السعوديون العاملون بالقطاع الخاص من ذكور وإناث التي تبرز الاحصائيات أنها لم تتجاوز في الواقع أكثر من ( 15% ) من إجمالي ما يزيد على تسعة ملايين وظيفة قائمة لدى شركات ومؤسسات القطاع الخاص، الأمر الذي يطرح تساؤلا عن استمرار تواضع هذه النسبة، وعن العناصر الأساسية الأخرى خلاف الأجور والرعاية الصحية والخدمات التقاعدية التي لم توظف حتى الآن في برامج حوافز التوطين بالقطاع الخاص، ليفضي بنا هذا التساؤل وما قد يتفرع عنه إلى واحد من أكثر العناصر غياباً، بل واقتطاعاً من الدخل السنوي للموظف، وهو عنصر السكن، هذا بخلاف بعد هذا السكن عن مقر العمل، وما يترتب عليه من مصاريف إضافية في تكاليف الرحلة اليومية لهذا الغرض. يقيناً أن أرباب العمل في القطاع الخاص يودون أن يتوفر المسكن الملائم القريب من مقر العمل لمنسوبيهم نظراً لأن هذا يمنحهم القدرة على اجتذاب الأيدي العاملة التي يحتاجونها، ويضمن لهم في ذات الوقت استقرار هؤلاء العاملين واستمرارهم في وظائفهم، إلا أننا ندرك أنه من غير المتوقع للعديد من أرباب العمل هؤلاء أن يبادروا أو أن تكون ضمن خططهم الاستثمار في توفير السكن للعاملين لديهم، دون أن يجدوا الدعم من المؤسسات الحكومية المعنية بقطاع الإسكان، أو المؤسسات غير الربحية، مثل الغرف التجارية، او الجمعيات المهنية، سواء في هيئة قروض مالية ميسرة، أو توفير أراض لهذا الغرض بالتملك أو الاستئجار، إن إسهام أرباب العمل بالتعاون مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية في تبني برامج ومشاريع إسكان ميسر لمنسوبيهم قريب من أماكن العمل لا تقتصر فوائده على سد الاحتياج من المساكن، وإنما تتجاوزه إلى الإسهام في إزالة أهم عائق أمام استقطاب الأيدي العاملة المطلوبة، وبالذات التي ترى في توفير السكن ميزة أساسية تبحث عنها، إضافة إلى تقليل تكاليف رحلة العمل اليومية للعاملين في أنشطة القطاع الخاص، ولا ننسى كذلك ما يشيعه هذا الحافز من مناخ الاستقرار الوظيفي الذي ينعكس على نشاط هؤلاء العاملين وزيادة إنتاجيتهم، لا بل إن العائد من وراء ذلك يتجاوز المستفيدين المباشرين، إلى السكان الآخرين المجاورين لمراكز العمل تلك من تقليل الازدحام المروري اليومي في الطرق والشوارع المحيطة بهم، وما يسببه من زيادة تلوث الهواء من عوادم السيارات، ناهيك عن أن وجود مثل هذه المشاريع للإسكان في محيطهم ترفع من مستوى الخدمات في أحيائهم السكنية، وقائمة طويلة من الفوائد التي لا يتسع المقام لسردها، لكن يتوجها بلا شك قدرتنا على توفير قناة جديدة تستقطب أكبر قدر من استثمارات القطاع الخاص في برامج الإسكان الموجهة للمنتسبين إليه، واسهامنا في جهود رفع نسبة السعوديين العاملين في القطاع الخاص إلى النسبة التي تستهدفها استراتيجية التوظيف السعودية.