أبها عبده الأسمري انتحار السعوديات بسبب الأمراض النفسية ولحظات اليأس والغضب لابد من أنظمة صارمة للدولة تصنع الأخلاق وتوقف العنف قيادة المرأة للسيارة تحتاج تصويتاً مجتمعياً أوضح البروفيسور طارق الحبيب في حوار مع «الشرق» أن العنف الأسري هو أحد أنواع العنف المجتمعي، مشدداً على أن العنف في البيت قد يزداد عنه في الوظيفة أو سائر أنحاء التعامل مع الآخر. موضحاً أن آليات العنف تظهر في البيت لعدم وجود ضوابط تحد من تناميه. وشدد الحبيب على أهمية وضع ضوابط للحد من تنامي ظاهرة العنف الأسري، مبيناً أن الآليات ينبغي أن تكون حكومية، مفسراً ذلك بأن الأخلاق لا تصنع الأنظمة. واقترح الحبيب إخراج العيادات النفسية من المستشفيات النفسية وتبقى المستشفيات النفسية للأمراض العقلية، مبيناً أن ذلك سيزيل الخجل لدى المرضى النفسيين. ونفى الحبيب عبر «الشرق» أن يكون عنصرياً أو قبائلياً، موضحاً ما حصل معه في قضية القبائل الحدودية أنه انتصار للمواطن، الموجود في الشريط الحدودي، وقال: إن لم نخدمهم سيكون انتماؤهم لقبائلهم الموجودة في الدول المجاورة أعلى. فإلى نص الحوار. اعتقاد خاطئ بصفتك بروفيسوراً متخصصاً في الطب النفسي.. هل نجوت من ضغوط الحياة؟ وكيف تتعامل معها؟ وهل تشكل لك حالات المرضى هاجساً قد يفضي إلى ترسب نفسي؟ - لدي مثل ما لدى الناس من ضغوط الحياة، وليست القضية كيف نمنع ضغوط الحياة ولكن القضية كيف نحسن التعامل معها، إن التعامل مع ضغوط الحياة يتم من خلال مهارتين، الأولى نفسية، وهي تطبيق مهارات التعامل مع الضغوط، وهذا أحد تخصصاتي الدقيقة بعد الدكتوراة، والمهارة الثانية روحية مستمدة من المنهج الإسلامي. أمراض المراجعين لا تشكل هاجسا نفسيا لدي مطلقا؛ لأنني أستقبلها بعقلي لا بنفسي وأستقبلها كمختص لا كإنسان. الدراسات المجتمعية ما أكثر الأمراض النفسىة انتشارا في السعودية؟ وما أسبابها الحقيقية ونسبها بين الرجال والنساء؟ الأكثر انتشارا حسب خبرتي الإكلينكية هو مرض الذعر ومرض الوسواس القهري، وليس هناك سبب محدد وراء انتشار هذين المرضين وهما منتشران عند الرجال والنساء، لكننا لا نستطيع أن نحدد أيهما أكثر انتشارا بسبب أن الرجل في السعودية ربما يخجل من الحضور للعيادة؛ لأن وجهه مكشوف، والمرأة تحضر لأن وجهها مغطى فتستطيع أن تحضر دون خجل، وفي المقابل الرجل يقود سيارة والمرأة لا تقود، وهذا يعطي نقطة لصالح الرجل في سهولة الوصول، فلا نستطيع إذاً التحديد من أكثر تعرضا للمرضين منهما. ولم تجرَ دراسة دقيقة في السعودية حتى الآن على المستوى المجتمعي حول نسبة تلك الأمراض، هناك دراسات في المستشفيات لكن دراسات المستشفيات ليست دقيقة، الدراسات الدقيقة هي الدراسات المجتمعية التي تجرى داخل المجتمع وبين الأسر، لكنها متعذرة في السعودية؛ لأن الناس لن يكونوا صريحين في إعطاء الإجابات بدقة. المس والعين هناك أطباء نفسيون لا يؤمنون بوجود المس والعين ودخول الجان في جسد الإنسان.. ما تعليقك على ذلك؟ وهل أنت مع أو ضد هذا الفريق؟ - الأطباء أصناف في ذلك، فأكثر الأطباء النفسيين لا يؤمنون بهذه الأمور ولا يكلفون أنفسهم البحث فيها. أنا أؤمن بحقيقة وجود الجن والعين والسحر لكني لا أؤمن بالمبالغات الاجتماعية الموجودة، ولي في هذا كتاب من 450 صفحة اسمه العلاج النفسي والعلاج بالقرآن. مستو ى المعيشة برأيك هل تدني الرواتب ومستوى المعيشة تسببا في نشوء أمراض نفسية في المجتمع السعودي؟ من جانب علمي ليست هناك دراسة في السعودية تثبت هذا أو تنفيه، أما في المجتمع الغربي فهناك دراسات تثبت هذا الموضوع، البطالة أو الفقر أسباب قد يذكرها المريض ولكن لا نستطيع القطع بأنها السبب الحقيقي، فقد يكون هناك أسباب أخرى للمرض عند الفقير لكنه نسب المرض للفقر، ولاشك أن العوز ونقص المادة والفقر كلها توتر الإنسان وتضايقه، وهي من أكثر ضغوط الحياة؛ لأن المال هو عصب الحياة، وبالمال يسهل كل شيء ولكن لكي نقول إنها تؤدي للمرض النفسي فإننا نحتاج لإثبات علمي. مراجعة المشاهير هل راجعك في العيادة مشاهير من أمراء أو وزراء أو رجال أعمال أو رياضيين؟ وفي ماذا تمحورت مراجعاتهم؟ نحتاج توضيحا للصفة الاعتبارية دون الأسماء. - كل طبقات المجتمع تراجع رجالا ونساء مهما اختلفت مهنهم؛ فالمرض لا ينتفي عندما يكون الإنسان غنيا ويأتي عند الفقر، ولا ينتفي بالمناصب العالية بل إن جميع عينات المجتمع لديها قابلية للمرض النفسي، ولقد عالجت من الناس من ولدوا وملاعق الذهب في أفواههم.. فلا تعارض. لست عنصرياً يتهمك البعض بالعنصرية في الطرح ومحاولة التغلغل في إطار البيئة والقبيلة.. ما تعليقك؟ أنا قحطاني، ولست عنصريا، والقضية السابقة التي أثيرت بشأن حديثي حول أهلي في الشمال والجنوب هي أنني كنت أتكلم عن الشريط الحدودي ولم أكن أتكلم عن المنطقة نفسها، ولكن الناس قلبوا الكلام وقالوا طارق يسب المنطقتين الشمالية والجنوبية رغم أن كلامي كان مليئا بالوطنية لا بالعنصرية. عندما تكلمت كنت أنتصر لأهلنا الموجودين في الشريط الحدودي، بأننا إن لم نخدمهم سيكون انتماؤهم لقبائلهم الموجودة في الدول المجاورة أعلى، وهذا طبيعي وأنا لو كنت أحد الموجودين في الشريط الحدودي الجنوبي أو الشمالي والمسؤولون والمواطنون قصروا معي وقبيلتي موجودة في دولة مجاورة فسأنتمي لقبيلتي، من الطبيعي أن ننتمي للقبيلة (العزوة) حتى وإن لم تعطنا شيئا، وأهل الشريط الحدودي قبائلهم موجودة في الدول المجاورة، فأنا كنت أتكلم عن الشريط الحدودي، أما أهلي من قحطان وبلسمر وبلحمر وبلقرن وغامد وغيرهم ليس لهم علاقة بكلامي أبدا. البرامج المحلية ما أسباب عدم ظهورك في البرامج المحلية؟ - أنا موجود في الإعلام السعودي ولدي برنامج قبل رمضان في التليفزيون السعودي اسمه (بين الحجرات) وحلقاته تعاد الآن، وفي رمضان كان لدي برنامج آخر اسمه (تغريدات نفسية) ولكن نسبة المشاهدة للتليفزيون السعودي قد تكون أقل مقارنة بغيره؛ فلذلك لا يراني الناس، كما أن أوقات عرض البرامج إذا كانت غير مناسبة لا ينتبه لها المشاهد، فمثلا بُث برنامجي في رمضان الساعة الواحدة ظهراً وفي هذا الوقت أغلب الناس تجدهم إما نائمون أو في دوامهم، وأنا لا أستطيع أن أتدخل في وقت العرض، ودوري ينحصر في أن أنتج برنامجي إنتاجا جيدا، أما العرض فهو من دور القنوات التي تتبع سياسة وأهدافاً معينة، وبالنسبة للبرامج الإذاعية فأنا موجود ببرامج متنوعة في أكثر من إذاعة. إدارة الضغوط هل ترى أن هناك قصوراً أو خللاً في برامج التعليم العام والعالي لدينا في السعودية؟ - من الناحية النفسية لابد أن توجد برامج تأهيل نفسي للإنسان في المدارس والجامعات. تُعلِّم الطالب كيف يؤهل نفسه لإدارة الضغوط وإدارة الغضب، وغير ذلك من المهارات النفسية والحياتية. مشاركة المرأة ما رأيك في حجم مشاركة المرأة في السعودية في صياغة القرار والمشاركة فيه؟ وهل ترى أن تحجيمها في بعض الأوقات أدى إلى تأثرها نفسياً أو اجتماعياً؟ أعتقد أن المرأة السعودية عندها قدرات مميزة يجب أن يستفاد منها، لكن أهم فائدة للمرأة في المجتمع العالمي وليس السعودي فقط تكمن في إدارة منزلها وإدارة أطفالها، ليس معنى ذلك أن تجلس المرأة في البيت لتربي أولادها فقط فهذا خطأ كبير، فمن ليست بحاجة مادية في نظري وعندها عدد من الأولاد فمن الخطأ أن تتجه لسوق العمل بل يجب أن تبقى في بيتها شرط أن تقوم بتأهيل نفسها من خلال الدورات التأهيلية في تربية الأولاد، فهذه هي المهمة الأصعب في الحياة وهي الحفاظ على كيان الأسرة ولا يستطيعها الرجل؛ لأن قدرات المرأة في ذلك أعلى، أما من لديها حاجة مادية فالأمر مختلف تماما، يجب أن تعمل ثم تجتهد في تربية الأولاد، بل يجب أن تنطلق في كافة الميادين الاجتماعية أو السياسية أو الدعوية وغيرها. قيادة المرأة هل ترى أن هناك انعكاسات نفسية إيجابية أو عكسها فيما لو سمح للمرأة بقيادة السيارة؟ - قيادة السيارة هي قضية اجتماعية يجب أن يتفق السعوديون عليها، هل هناك فائدة أو مضرة منها؟ وحينما نتحدث عن الفائدة يجب أن نتجنب المبالغات وكذلك في الأضرار، يجب أن لا نبالغ في أضرار قد تحدث من غير قيادة المرأة السيارة أصلا، وأعتقد أن قيادة المرأة السيارة هي ظروف خاصة؛ ففي بعض الأسر لو قادت المرأة السيارة لا مشكلة والبعض الآخر لو لم تقد المرأة السيارة لا مشكلة، ولا ضرر من قيادة امرأة أربعينية تقوم بخدمة أبنائها وتوصيلهم ولكن امرأة عشرينية أو ذات ثمانية عشر عاما وإدراكها بسيط في الحياة وربما كان نضجها قليلا فقيادتها خطر، إذاً القضية ليست أن تقود أو لا تقود بل ما نوع المرأة التي ستقود، وحتى لو حددنا نوع المرأة فكل واحدة ستدعي أنها العاقلة والناضجة والحكيمة، وهذا الكلام أيضا ينطبق على الشباب فالشباب أنفسهم منهم الناضج وغير الناضج، إذاً القضية معقدة ولكن لابد أن يكون هناك تصويت اجتماعي. دوافع الانتحار سجلت السعودية حالات انتحار لنساء وتورط أخريات في قضايا قتل.. ما الدوافع النفسية التي ترمي بالسعوديات تحديداً في هاتين الجريمتين؟ وكيف تعالج؟ - لا يوجد تفسير تحديداً للمرأة السعودية عن سواها، فالسعودية في الأسباب مثلها كغيرها في المجتمعات الأخرى وكذلك الأمر في مسألة القتل وغيرها، وقد يكون ذلك بسبب أمراض كالاكتئاب والذهان، فهذه قد تؤدي للانتحار، وهناك أمراض نفسية أخرى تؤثر على الجانب العقلي تؤدي للانتحار أيضا، وبعضهن قد لا يكون لديهن مرض نفسي لكنهن مررن بلحظة يأس كبيرة جدا أدت للانتحار، أما القتل فقد يكون قائما على مرض نفسي كالشك والذهان، وأحيانا قد تكون حالة غضب لا يسيطر عليها الإنسان فهي تتأرجح بين المرض وعدمه. العنف الأسري ما أسباب تفشي قضايا العنف الأسري؟ - العنف الأسري هو نوع من أنواع العنف المجتمعي.. والعنف موجود في الوظيفة والمنزل والمدرسة، في البيت قد يزداد العنف لأنه ليس هناك رقيب، فدرجة العنف تزداد وتقل حسب الضوابط الموجودة، ففي العمل لا تستطيع أن تضرب بينما في البيت تقسو في الضرب، والعنف مع الآخر ليس شيئاً شاذاً في المجتمع بل هو جزء من نمطية مجتمعنا وتركيبته. أسباب العنف هي أسباب موجودة في طريقة التربية، ولم تقم على ظرف معين، فإذا ألغينا الظرف تنتهي، مهما وضعنا من حلول يظل مركب العنف يحكم علاقة بعضنا بعضاً، إلا إذا جاءت القوانين الصارمة جداً التي تكون أقوى من الأثر التربوي. العيادات النفسية لماذا لا تنشأ عيادات نفسية بالمجان متخصصة؟ وهل تؤيد اقتراحاً بوجودها خارج إطار مستشفيات الصحة النفسية؟ - أنا لم أعالج مريضا محتاجا في حياتي بمقابل أبدا، أما المريض غير المحتاج فحاله مثل حالي وحال أولادي، فأنا لست رجلاً ثرياً لحد أن أضع مشاريع خيرية مجانية وأصرف عليها، أنا رجل من عامة الناس أستطيع أن أعمل جزءاً من الخير للمحتاج أما غير المحتاج فليس عندي من الطاقة المادية ما يجعلني أفعل معه ذلك. يجب أن تعالج الأمراض النفسية في المراكز الاجتماعية والصحية في الأحياء، وأما العقلية ففي مستشفيات الصحة النفسية. أما مقترحي فهو أن تخرج العيادات النفسية من المستشفيات النفسية وتبقى المستشفيات النفسية للأمراض العقلية، هنا نستتطيع أن نزيل كثيراً من الخجل لدى المرضى النفسيين، رغم أن هذا الخجل بدأ يتناقص جداً، وقوائم الانتظار في العيادات عالية. أمراض الأطفال هل هناك أطفال يراجعون بسبب أمراض نفسية؟ وكم نسبة التعافي؟ وما الأسباب؟ نعم هناك أطفال ومراهقون وكبار سن، والنسب لدينا كأي دولة أخرى، ويوجد أمراض خاصة بالأطفال كالتوحد وكفرط الحركة المرضي والقلق ووسواس الأطفال وفصام الأطفال، كل هذه الاضطرابات موجودة وغيرها، ولا نستطيع أن نعطي أي مرض منهم النسبة الأعلى أو الأقل؛ لأن وعي الأسر عندنا في الاعتراف بالمرض من عدمه يختلف. أمراض الكوارث كوارث الحرائق والسيول والحوادث المرورية التي تحدث لبعض الأسر هل تؤثر في نشوء أمراض نفسية؟ - يعتمد على المستوى النفسي للفرد، فالنفوس ذات البنية الضعيفة قد تتأثر لكن القوي نفسيا لا يتأثر بدرجة كبيرة، أما عن الأمراض التي قد تحدث فإذا كانت الصدمة عنيفة قد يصاب الفرد باضطراب ما بعد الصدمة، وإذا كانت خفيفة فقد يحدث اكتئاب أو قلق أو حتى انفصام حسب الاستعداد الوراثي لدى الإنسان. البطالة النفسية لا تزال نسب البطالة في تزايد.. برأيك ما مدى تأثيرها في خارطة المرض النفسي والجريمة في المملكة؟ وكيف يتم معالجة هذا الملف الشائك؟ - معروف أن البطالة ترفع درجة الضغط النفسي لدى الإنسان؛ لذلك ربما تؤدي لزيادة نسبة أمراضه النفسية، وهذا كما قلنا في الدراسات الغربية، ولم تجر دراسة دقيقة لدينا حسب اطلاعي. طارق بن علي الحبيب - مواليد (16 أكتوبر 1966). طبيب نفسي سعودي. ولد في مدينة عنيزة في منطقة القصيم. درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية بها، وحصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الملك سعود في الرياض. حصل على شهادات الماجستير والدكتوراة في إيرلندا والسعودية. واصل بعد ذلك الدكتوراة في بريطانيا. تتركز اهتماماته العلمية في علاج الاضطرابات الوجدانية وفي مهارات التعامل مع الضغوط النفسية وفي علاقة الدين بالصحة النفسية. متزوج ولديه 4 أبناء و3 بنات.