ظلمت قصيدة مصر وشعر مصر بقسوة، كانت الأسباب متداخلة، فيها ما هو إقصائي وتقصدي وفيها ما هو عجز عن فهم روح الشعر العميقة التي هي روح الحياة، بسيطة وسهلة، محبة وودودة. لعبت الأيديولوجيا القميئة في المسألة، خربت الشعر والناس والحياة والشعراء، اتخذ كل حزب بوقه وبدأ في كيل المدائح المجانية لهذا البوق في منابره.. صحف، إذاعات، مهرجانات، جوائز.. جاءت هزيمة 1967 ومعها وأثناءها نزار قباني ليعم الدمار والخراب الكبير، بدا الصوت عاليا وطنانا، مناحة كبرى ودموع مسفوحة، غضب، والغضب عدو الشعر، بدأت الشتيمة تصعد للمنابر، تسلق الشتامون أعناق الميكرفونات، اشتعل تصفيق الأكف الملتهبة على تعالي الهراء في حفلة الغيبوية. نقف اليوم على بعد نصف قرن من ذلك التاريخ.. ونحن أقدر فنيا ونقديا وشعريا على فرز المسألة والتعامل معها وتصحيح مفاهيم مغلوطة أسهمت في تشويه فكرة الناس عن الشعر والقصيدة، أحوج لتنقية الذائقة والمرحلة من كل ما علق بها، أليس ظلما كبيرا أن يتوارى شاعر صلاح عبدالصبور لصالح مشروعات شعرية استعراضية وشكلية، هل من المعقول أن يكون الحب تهمة لشاعر كفاروق جويدة في حين تكون الفجاجة ميزة لمظفر، محمد إبراهيم أبو سنة وفاروق شوشة ألم يكونا أكثر تصالحا وعطاء وفهما وجمالا في الشعر وللشعر من ظاهرة عدائية مهمومة بعقدها المتراكمة وشقلباتها النقدية في سيرك الثقافة العربية كأدونيس، خذوا من تريدون من شعراء مصر في القرن العشرين، قبل وبعد انتصافه وقارنوه بمن سواه. أعلم أن الشعر لا يمكن تصنيفه جغرافيا لكن ما حدث محزن وتقصدي يجب الوقوف عنده. حورب الشعراء المصريون لأنهم مصريون فقط، كان عليهم هكذا وبقرار دفع ثمن تقاطعات السياسة وتحالفاتها، السياسة والأيديولوجيا التي لم يكونوا مؤمنين بها شعريا سواء في التطبيع وما تلاه. تحركت مغسلة فكرية وروحية عدوانية ضدهم. زايدت أنظمة الصمود الافتراضي عبر أبواقها الفكرية والثقافية على كل ما هو مصري فأصبحوا ضحايا. صدقنا تلك الأوهام وركضنا خلفها بحماس، وحرمنا أنفسنا مما هو أبسط وأجمل وأكثر إنسانية قصيدة وتجربة وفهما للحياة والشعر.