×
محافظة مكة المكرمة

الوزارات الخدمية تنفذ المشاريع وهيئة السياحة تقدم الدعم .. الطائف تتأهب وترحب.. اكتمال تحضيرات واستعدادات سوق عكاظ 9

صورة الخبر

هل أتاك حديثُ ثقافةِ التّناوش وجوهٌ ليس من شأن اختلافها إلا تفعيل (التّهاوش) على النحوِ الذي تَصلى فيه ناراً حاميةً من لهيب «أدلجتها» الحارقة ذلك أنّ الظاهر في خصومتِها قد يبدو فيما قد صدر من وزير التعليم من التفويض لـ: «مديري التعليم بالمناطق والمحافظات بصلاحيات فتح فصول لتحفيظ القرآن الكريم في مدارس التعليم العام..» في حين أنّ باطن هذه الخصومة وهو الشأن الذي تعودناه قبلاً- لا يعدو أن يكون صراعاً لفريقين كلاهما قد اتخذ القرآن مهجورا ما بين هجرٍ في تركٍ للمعاني/ وأخلاقه وما بين هجرٍ آخرٍ في تركٍ للتلاوة وآدابها.!! إلى ذلك.. يسعني أن أقول: لو أنّ: «المنصف المرزوقي» هو مَن قد أذن بتدشين حصصٍ لـ: «القرآن» في تعليمٍ تونسيٍّ بورقيبيٍّ قد أَمضى -قرابة نصف قرنٍ- على إظهاره العداوة المُبينة للقرآن الكريم.. أي بمعنى آخر: لو أن التفويض لفتح فصول تحفيظ القرآن كان في: «تونس» لربما قَبِلنا هذا العِراك التويتري واستوعبنا بالتالي أسبابَ حِدّة تنازعٍ فجٍّ لا توسط فيه بين فريقين كلاهما فيما أظن قد وقع في المحذور ما بين غالٍ وجافٍ. لكن أن نشهدَ حركة من: «هشتقةٍ» طغت إذ أتت على المشهد السعوديّ كلّه فغمرته إذ ذاك حالات من هيجانٍ صبيانيٍّ في سبيل صناعة أكثر من وسمٍ لأمرٍ أحسبه كان بالمرّةِ (عاديّاً) إذ إنّه قد جاء في سياق المملكة العربية السعودية (حكومة وشعباً) هذا الوطن الذي كان: «القرآن» قَدَر هُويّتهِ ومبعثَ وجودِه وحقيقةَ استقراره بالوصف الذي ارتضته القيادة/ والشعب منذ التأسيس لها دستوراً ومنهج حياة، يستوعب كلّ أركان الدولة ويمضي بها بعيداً إلى أن تكون راشدةً في كل مرافقها. إنّه الوطن الذي على أرضه تنزّل القرآنُ غضّاً طريّاً، ليلتقي حينئذ خبرُ السماء بالأرض وتتعانق الخيريّة والوسطيّة نماءً وطُهراً في قومٍ امتحن الله قلوبهم للتقوى: «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا». وحسبك أنّ أرض -هذا الوطن- هي مَن قد تلقّى العالم فيها أول أمرٍ إلهيٍّ بـ: «اقرأ باسم ربك الذي خلق» للعروج إلى مراقي السمو في علياء ما من أجله أُنزل القرآن عروجاً بسُلّم التّدبر ورُقيّاً بزُلف التّفكر. إنّه الوطن الذي بات فيه حفظُ القرآن والاعتناءُ تكريماً بمهرتِه: السّمة التي لا يُمكن لأي عينٍ أن تُخطئ رؤيتها على مدار العام كله وما لبث أن صار ذلك سُنّة ثابتة يتأسى بها المهتدون في بلدانٍ شتّى. هو الوطن الذي قد آل على نفسه أن يفي بما أكرمه الله تعالى اصطفاءً فجاءت طباعة: «المصحف» فيه امتداداً لخصوصية قرآنيّة من شأنِها أن تَنْمِي: «حُبّ القرآن» في القلوب ليزداد المؤمنون بالقرآن تعلّقاً تلاوةً وحفظا وتدبراً على نحوٍ من فقهٍ / ووعيٍ يتهيأ من خلالهما القلبُ لاستقبال: «القول الثقيل» الذي يسّر الله ذكره لِمن ادّكر. عزام الدخيل إذن -ومهما يكن من أمر- فإنّه ما فعل من شيءٍ يستحقّ كل هذه الهالة التي أحاطت به، استبشاراً من قِبَل الفرحين أو ما أحاطه به الشائنون من هالة إزراءٍ وتنقّص.. عزامٌ ليس بِدعاً من رجالات هذا الوطن.. بل هو ابن لهذا البلد ومن يكن كذلك فلا ريب أنه يعرفُ جيداً أنّ ارتباط وطنه بـ: «القرآن الكريم»علاقة مصير وجوداً وعدماً.. ومن أجل هذا ليس أقل من أن يُعاد الاعتبار للدرس القرآني وبصورة أفضل مما كان عليه سابقاً! مع أنّه ليس بخافٍ على أيُما أحدٍ أننا لم نًعطِ القرآن بعْد حقّه/ومستحقّه الذي يجب على نحوٍ من تفعيل دَرسه، ابتغاء أن تتحقق فينا معنى الشهادةَ على الأمم وأن نتوافر على الخيريّة الوسط تلك التي لن تكون إلا بهداية القرآن واقتفاء منهجه. ولعلّ من أولى مهام إيلاء القرآن الكريم مكانته التي تليق به في التعليم العام/ والجامعي ما نتمناه على أهل الاختصاص في الدراسات التربوية وعلم النفس- المحبين للقرآن-، من الاشتغال على دراساتٍ مفصلة تجمع ما بين الاستيعاب والعمق في كيفية تعليم الناشئة حُب القرآن والتعلّق بتدبّره، وذلك باستثمار كافة أنواع التأمل والتفكّر ما كان منها قديما أو ما استجدّ حديثاً، مما يحفظ للقرآن هيبته ويحفظ له نور قدسيّته بجلاله وجماله. وبالجملة.. يمكن القول: حتى تؤتي مدارس تحفيظ القرآن -وفصولها في التعليم العام -أكلها وفي كل حين، فإنّه لا بد من التفكير الجاد بصناعة ذلك: «المعلم» الذي يُمكن أن ينهض بأعباء التعليم القرآني على الوجه الذي يعي به جيدا قوله تعالى: «ليدبروا آياته» وقوله: «أفلا يتدبرون القرآن» وهذا يقتضي وضع منهج بل أقسامٍ في كليّات التربية تُعنى بوضع طرقٍ تربويّة لتدريس القرآن وتعليم مناهج تدبّره، لتجعل من هذا الأخير- التدبر- المفهوم المحوريّ لتعليم القرآن، وذلك بتكثيف دالة القيمي/ والمنهجي لتزيده بالتالي وضوحا، وتسهم في بسط كشف آلياته ووسائله، وإلا فإنّ النفع المنتظر من قِبل مدارس تحفيظ القرآن -أو الفصول الملحقة أخيرا سيكون نفعاً ضعيفاً بسببٍ من افتقاره للكفاءات، ذلك أنّ حُب القرآن وحده ليس بكافٍ في درك التّدبر وتكثيف منهج ممارسته والعمل بمقتضاها.