تتعدد القوى المعارضة في سورية وتنقسم بين الداخل والخارج وبين قوى تمثل فئات طائفية معينة بالإضافة إلى قوى يسارية وعلمانية وبينها «حزب الشعب الديموقراطي السوري» الذي كان من رموزه المعروفة السياسي رياض الترك وهو من أشهر الشخصيات السياسية التي قضت سنوات في سجون حزب «البعث»، ومن المنتمين إليه أيضاً ميشال كيلو ومنظّر الثورة ياسين الحاج صالح وكذلك جورج صبرا الذي ترأس المجلس الوطني السوري وسعى إلى تشكيله في العام 2012، وهو يضم نخباً ثقافية سورية كانت لها اليد الطولى في إعلانيْ «ربيع دمشق» و«إعلان دمشق». «الراي» التقت القيادي في حزب «الشعب الديموقراطي السوري» السياسي المعارض الناشط في مجال حقوق الإنسان فؤاد إيليا، وكان حواراً متشعباً حول أزمة الثورة السورية وسبل الخروج من حال المراوحة وكيفية إيجاد الطرق لإحداث خرق يؤمن للشعب السوري ما هدف إليه من خلال ثورته وتأثيرات التدخلات الخارجية والمواقف الدولية التي شرذمت قوى الثورة بعد عملية التطييف التي أضرّت بالإنجازات وشكلت سداً أمام تحقيق أهدافها. في البداية نسأل إيليا عن واقع المناطق الآمنة؟، ولماذا لم ترَ النور حتى الآن، فيوضح أنه «لم تقم في سورية مناطق آمنة، إنما تشكلت مناطق سيطرة فرضتها عسكرة الثورة، سواء في الشمال أو في الجنوب». ويضيف: «بدأت السيطرة على هذه المناطق في الشمال من الريف لتنتقل بعدها إلى بعض أحياء مدينة حلب. أما في الجنوب فقد بقيت في الريف، وسيطرت على البوابات الحدودية (باب الهوى) و(باب السلامة) في الشمال و(نصيب) في الجنوب». ولفت إلى «أن الناشطين المدنيين سارعوا، بتوجيه من بعض القوى السياسية، إلى تشكيل مجالس محلية في مناطق السيطرة (أي المناطق المحررة) بمساعدة الفصائل العسكرية، ودخل ممثلو المجالس المحلية إلى المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف لإدارة هذه المناطق مدنياً وتقديم بديل عن إدارة النظام»، إلا أنه يرى أنها فشلت «في تقديم بديل يعبّر عن الحالة الجديدة لسورية، وذلك لأسباب متعددة ذاتية وموضوعية». ويشير على سبيل المثال لا الحصر إلى بعضها بالقول: «شراسة النظام الذي جرّ الثورة إلى العسكرة، المكان الذي يجيد اللعب فيه جيداً لامتلاكه القوة النارية المتفوقة على الجيش الحر أو المتظاهرين العزل ولأن العسكرة تتيح له إظهار الثورة كمجموعة من الإرهابيين ليبرر قتالهم وتصفيتهم. وهناك أيضاً انقسام المعارضة السياسية بين مجلس وطني اتُهم بالمطالبة بالتدخل الخارجي، وهيئة تنسيق رفعت لاءاتها الثلاثة مما أفسح في المجال للنظام أن يلعب على التباينات وأن يتحدّث عن معارضة داخل وطنية ومعارضة خارج لا وطنية، ليستمر بممارسة قمعه للمجتمع باتهامات جاهزة طالت رموز ما كان يسميه معارضة وطنية فيعتقل عبد العزيز الخير ورجاء الناصر». ويضيف: «وأفسح هذا الانقسام السياسي المجال للمجتمع الدولي المنقسم أصلاً في ما بينه لأن يتدخل تحت شعار وحدة المعارضة، فيقوم بسحب القرار الوطني من يدها بسبب غياب رؤيتها الاستراتيجية وعدم قدرتها على أن تكون بديلاً ديموقراطياً حقيقياً لنظام متهالك فاقد للشرعية والسيادة. ثم هناك دخول المال السياسي الذي وفّره بعض الممولين من أجل شراء ولاءات عسكرية أو مدنية تخدم أفكاراً بعينها بعيداً عمّا طرحه الناشطون المدنيون الذين أرادوها ثورة (حرية وكرامة)، فتعددت الولاءات وتشرذمت الفصائل العسكرية، وتحوّل بعض قادتها إلى ما يشبه أمراء حرب يسيطرون على قطاعات تدرّ عليهم الربح وتقوي من شوكتهم وتدفعهم للعمل منفردين. كذلك فإن خذلان المجتمع الدولي للثورة السورية، بتخليه عن واجبه الإنساني في حماية المدنيين العزل في الوقت الذي راحت تزداد شراسة النظام ضد الشعب مستخدماً وسائل محرمة دولياً (البراميل المتفجرة - السارين - الكلور)، أحبط الكثير من مؤيدي الثورة، فازدادت هجرتهم طلباً للسلامة ولقمة العيش، الأمر الذي شكل نزيفاً بشرياً مخيفاً ستظهر نتائجه لاحقاً. من دون إغفال عدم استثمار الموارد البشرية والمادية المتوافرة في مناطق السيطرة من قبل قيادة المعارضة لتأمين احتياجات المواطنين، والاعتماد على ما تقدمه الدول المانحة (سلل غذائية - أدوية) والذي لا يفي بالحاجة». كما لفت في السياق نفسه إلى «بقاء المجتمع مشرذماً ومفككاً وانعدام الثقة بين المواطنين، على ذات النهج الذي زرعه النظام حيث طغت الفردية خلال عقود طويلة، ولا يزال الكثير من العاملين في الشأن العام أو في السياسة يعانون عدم إمكان توحيد الرؤى أو المواقف، فطغت الفردية والشخصانية والأنانية بينهم». ويؤكد أنه «كان يمكن لهذه المناطق المحررة أو المسيطَر عليها أن تُحدِث تغييراً كبيراً في الواقع لو استطاعت القوى السياسية والعسكرية أن تستثمر اللحظة الثورية، - ولا سيما بعد جمعة (المجلس الوطني يمثلني)- وانتقل هذا المجلس الى المناطق المحررة ليكون مع حاضنته الشعبية وعمل وفق برنامج وطني يعتمد على إعادة بناء الدولة المسروقة من النظام، وبدأ في تنظيم شؤون الدولة سياسياً وعسكرياً معتمداً على طاقات الشباب»، متداركاً: «لكن هذه الـ(لو) لم تعد تفيد الآن. وما حدث قد حدث، ودخلت الثورة في منزلقات وتفتّتت قوى الثورة وتشرذمت، ولم يعد أمام السوريين، ولا سيما الشباب المصمم على المتابعة، إلا أن ينتج قيادته السياسية والعسكرية القادرة على طرح برنامج وطني جامع تلتف حوله كل مكونات الشعب السوري وقواه الثورية السياسية والعسكرية». وأعرب إيليا عن يقينه «بأن هذا الشباب المصمم على تغيير الواقع من خلال صموده الأسطوري وتضحياته الجسام قادر على أن يصل إلى مبتغاه في الحرية والكرامة ودولة المواطَنة». ويشدد رداً على سؤال على أن «قيادة المعارضة المتمثلة بالائتلاف الوطني لا تزال تتخبط في مسعاها وتدور في أروقة الدول الكبرى والإقليمية من دون أن تتمكن من الوصول إلى تحقيق مكسب ينهي آلام الشعب السوري»، متوقفاً عند «كثرة المؤتمرات العلنية والسرية في عواصم العالم للوصول الى حل لما يسمى (الأزمة السورية) بالشكل الذي يتناسب مع مصالح هذه الدول، دون أن يكون للسوريين أي دور فيها سوى أن يعدّوا شهداءهم يومياً هنا أو هناك»، ومضيفاً: «وما الاتفاق النووي الأخير بين إيران ودول الــ 5 + 1 إلا مثال على ذلك. وكأنهم يعتبرون أن السوريين بهذه القيادات المترهلة، معارضة ونظاماً، ليس أمامهم سوى القبول بما يُرتّب للمنطقة بعيداً عما يريده الشعب، مستفيدين من حالة التشرذم والإنهاك ودخول عنصر الإرهاب على خط الأزمة وطرح فكرة محاربته للخلاص منه». وعن دور دول الجوار في المساعدة، يشير إيليا إلى أن «لدول الجوار مصالحها وهي تبحث جاهدة عن تحقيقها متنبّهة إلى المتغيرات الديموغرافية أو الجغرافية التي يمكن أن تطرأ على المنطقة»، ويقول: «تركيا تشترك مع سورية بحدود تصل إلى 900 كيلومتر تقريباً وتعتبرها بوابة عبور إلى الجنوب، لكن التقدم باتجاه الجنوب بات متأثراً بالأزمة السورية التي طرحت على تركيا مشكلات جديدة تتمثّل بالأكراد ونياتهم بإقامة مناطق نفوذ لهم على طول الحدود الجنوبية لتركيا عبر سيطرة الـ PYD، الفصيل الذي تشكك أنقرة بأهدافه، على هذا الشريط. كما برز (داعش) الذي يحاول التقدم إلى الحدود التركية مسيطراً على مناطق واسعة في سورية والعراق مما يظهره كلاعب جديد يحاول تغيير الخرائط الجغرافية وكاسر للحدود التي رسمتها (سايكس بيكو)، مما قد ينعكس على خريطة تركيا أيضاً. إلى ذلك تخاف أنقرة من ازدياد النفوذ الإيراني في سورية، مما يعيد إلى الأذهان التاريخ القديم والصراع بين العثمانيين والصفويين في غابر الأزمان. كل ذلك وتركيا تتحمل عبء ما يقارب مليوني لاجئ سوري تستضيفهم، إضافة إلى تحمل وجود الائتلاف الوطني وقوى المعارضة التي تعمل على أراضيها مما يجعلها الدولة رقم واحد في مواجهة النظام السوري». أما عن الأردن في الجنوب، فيوضح إيليا أن «الأردن يتحمل عبء ما يقارب المليون لاجئ سوري يمكن أن يؤثروا على الواقع الاقتصادي والديموغرافي فيه، إضافة إلى اضطراره لمراقبة تسلل من يمكن أن يعبثوا بأمنه بعد تقدم (داعش) من حدوده كاسراً حدود (سايكس بيكو) كما نوهنا سابقاً مما يشكل خطراً عليه أيضاً. وكل ذلك دفعه إلى أن يبحث عن موطئ قدم وحضور له في الثورة السورية فيما إذا تم التفكير في حلّ دولي وإقليمي للأزمة، فاحتضن أخيراً مؤتمر العشائر الذي دُعي له في جنيف عله يكون الوسيلة والأداة التي ينفذ منها إلى المشاركة في الحلول المفترضة». ويشير إلى لبنان «الذي يعيش ارتدادات الحرب الأهلية وتَمدُّد (حزب الله) فيه والذي بات يشكل دولة ضمن الدولة»، متوقفاً عند «انقسام المجتمع اللبناني وسياسييه إلى درجة عدم تَمكُّنهم من انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من عام، مما يهدد كيان لبنان ويرشحه للتأثر بشرارات الثورة السورية المتطايرة هنا وهناك»، مضيفاً: «هناك العراق أيضاً الذي تعتبره إيران بوابتها إلى سورية والمتوسط وهو أيضاً مهدَّد بالتفتت والتقسيم وتَفاقُم أزمته بما يطوله من إرهاب دموي وانتهاكات صارخة لأمنه واستقراره». ويستنتج إيليا من هذه الصورة التي رسمها بأن «على المجتمع الدولي والإقليمي أن يعمل جاهداً للبحث عن حلول قبل أن تنهار الدولة السورية ما قد يؤدي إلى انهيار المنطقة برمّتها، وهو ما لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتحمل تبعاته الآن وفي هذه الظروف الراهنة إذ إنه غير قادر على تغيير الخرائط الجغرافية ورسم خرائط جديدة للمنطقة، رغم أن مثل هذا الأمر قد يكون مطروحاً على الطاولة من البعض أو أن البعض يضعه في الحسبان أثناء المداولات التي تجري». ويضيف: «ما يمكن قوله إن كل الدول اليوم تتصارع في ما بينها للحفاظ على مناطق نفوذها أو توسيع هذه المناطق، مما يؤخر الحلول ويؤجل الانفجار الكبير». وعن وضع اللاجئين السوريين يعتبر إيليا أنه «لو تم استثمار مناطق السيطرة بشكل جيد وصحيح لكانت حُلّت نسبياً مشكلة اللاجئين السوريين في دول الجوار أو خُفف منها كثيراً، ولَتوقّف النزيف البشري المخيف ولا سيما من الكوادر الشابة والنخب التي تسعى للهجرة إلى أوروبا متحملة مخاطر الموت في البحار، ولكان للحاضنة الشعبية دور رئيسي في ما يُرسم أو يُخطط لسورية المستقبل. بمعنى أنه لو جرى استثمار واردات المناطق المحررة لتحسين الواقع المعيشي للمواطنين وتأمين الخدمات لهم وتحسين البنية التحتية التي يدمّرها النظام ببراميله المتفجرة، أو حصاره لهذه المناطق، كان من شأن ذلك أن يخفف من عدد اللاجئين الذين يعانون في دول الجوار أو حتى النازحين في الداخل السوري ويخفف النزيف البشري الذي سنلحظ أثره في ما بعد حين نفتقد الخبرات واليد العاملة والنخب». ويجد إيليا أنه «بات الآن من الصعب إعادة تشكيل مناطق السيطرة وفق ما بدأت عليه الثورة. فقد أصبحت هذه المناطق متنوّعة الانتماءات ومتداخلة، يكثر فيها الخوف من الخطف والذبح والتدمير وشظف العيش بسبب افتقارها إلى أبسط مقوّمات الحياة. وبسبب فرض سلوك وسياسات بعيدة عن هوى السوريين وطموحهم، تعقّدت الأزمة وبات السلاح سيد الموقف يفرض نفوذه على البشر العزل وبات استخدامه في كثير من المناطق وسيلة لإذعان البشر بعدما كان وسيلة لإسقاط النظام فبات المنطق السائد هو (حق القوة لا قوة الحق)، ولذا كان لا بد من إعادة النظر في كل شيء والتفكير بأسلوب آخر يمكن أن يعيد الاعتبار للثورة على أسس جديدة». ويحدد ايليا هذه الاسس بالتالي: أولاً: تشكيل قوة عسكرية وطنية لحماية المواطنين على أن تملك برنامجاً وطنياً يضع القانون فوق الجميع ومن أجل الجميع آخذا في الاعتبار الواقع السوري المتعدد المكونات. وثانياً: برنامج سياسي واضح يتم تبنيه من قبل قيادة سياسية متفَق عليها قادرة على استعادة القرار الوطني ضمن واقع جديد وعلى قاعدة فهم طبيعة الصراع الدولي على سورية، على أن يؤكد الحفاظ على سورية موحدة ارضاً وشعبا. وثالثاً: تأمين مستلزمات الحياة للمواطنين من أجل البقاء والصمود ليكونوا الحامل الشعبي لهذا البرنامج. ورابعاً: أن يساهم المجتمع الدولي بدوره في حماية المدنيين في أماكن وجودهم بالعمل على تأمين احتياجات العيش الكريم وإعادة بناء أو تأهيل البنية التحتية التي خربتها الحرب، وأن يتفهم حق السوريين في العيش بدولة مدنية ديموقراطية يكون الإنسان فيها هو القيمة الأساس وأن احترامه واجب يضمنه قانون يساوي بين الجميع، بصرف النظر عن الدين والمذهب أو العرق أو القومية أو اللون أو الجنس، ويحترم كل المواثيق الدولية التي تنظم شؤون المجتمع».