ربما إن كثيرين لا يدركون أن الطاقة الشمسية، قبل أن تكون مصدرا مهما لتوليد التيار الكهربائي، أنها هي نفسها مصدر الطاقة التي أبد الدهر أبقت الإنسان وبقية مخلوقات الله التي تتنفس الهواء على قيد الحياة. فهي الأصل في صنع الغذاء على الأرض وتكون مياه الأمطار في السماء والطاقة المخزونة في المواد الهيدروكربونية التي لا غنى لنا عنها في عصرنا الحاضر. ناهيك عن دور حرارة الشمس في تطهير بيئاتنا المختلفة -بإذن الله- من الجراثيم والمخلوقات الأخرى المضرة بالصحة. وها نحن الآن نعود إليها لاستخدامها لتوليد الطاقة مباشرة، بعد أن أوشكت مصادر البترول الرخيص على النفاد. فنحن اليوم مقبلون على إحداث ثورة في تطبيق استخدام الطاقة الشمسية كمصدر رئيس لتوليد التيار الكهربائي في جميع أنحاء العالم دون استثناء. إنها المصدر الوحيد الذي يوجد في كل بقعة من القارات المشمسة ومستديم دوام الدهر. وهي الوحيد الذي نحصل عليه بدون ثمن، الذي لا يترك استخدامه أثر تلوث للبيئة على الإطلاق، كما يحدث مع معظم المصادر الأخرى. وفوق ذلك كله، فإن تكلفة إنشاء مرافق الطاقة الشمسية ظلت تنخفض سنويا منذ أكثر من 30 عاما، ولا تزال، حتى أصبحت اليوم من أرخص مصادر الطاقة. ويؤكد المختصون بهذا الشأن أن أسعارها ستواصل الهبوط حتى تصل إلى مستوى غير قابل للمنافسة من أي مصدر آخر. وهذه من نعم الله وفضله على البشرية. وكنا نتمنى أن نكون من أول منْ يولد التيار الكهربائي من الطاقة الشمسية على نطاق واسع قبل سنوات، عندما بدأنا بحرق كميات كبيرة من البترول الخام لتوليد الطاقة الكهربائية خلال أوقات الذروة. لكننا لم نوفق لذلك لأسباب أقرب إلى كونها بيروقراطية، إن صح التعبير. فمن العوائق الرئيسية التي كان لها دور بارز في عدم تنفيذ فكرة إنشاء مرافق الطاقة الشمسية، غياب وجود جهة بعينها تكون مسؤولة عنها. خاصة أن شركة الكهرباء التي هي في النهاية صاحبة الاختصاص، لا تمتلك آنذاك الحوافز ولا الحماس لمشاريع الطاقة الشمسية لسبب بسيط، وهو حصولها على الوقود الأحفوري بثمن يشبه «البلاش». ولم يكن ذلك ليعفيها من المسؤولية الوطنية التي تحتم على المسؤولين في الشركة مراعاة المصالح الوطنية. وذلك لأن برميل البترول الذي كانت، وربما لا تزال، تشتريه الشركة بأقل من خمسة دولارات، كان يباع في السوق الدولية بعشرة أضعاف هذا السعر. وهو ما كان يعطي مشاريع الطاقة الشمسية جدوى اقتصادية ممتازة، حتى قبل نزول تكلفة إنشاء الطاقة الشمسية إلى المستوى الحالي. وألهم الله ولاة الأمر -رحم الله حيهم وميتهم- وأمروا بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، لتقوم بالدراسات اللازمة وتقديم المرئيات والخطط المطلوبة. ولنتجاوز موضوع الطاقة النووية التي لسنا الآن بصددها، ونمضي إلى الطاقة المتجددة المتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فقد كان للمدينة نشاط ملحوظ خلال السنوات الأولى من بدء مهمتها. وتفاءلنا آنذاك خيرا. ولكننا، منذ سنتين، لم نسمع عن أي حراك جدي نحو الهدف المقصود. وربما إن هاجس عدم وجود جهة تكون مسؤولة عن تنفيذ مشاريع الشمسية أدى إلى توقف العمل فيها، أو هكذا يظهر لنا. وما زال أملنا كبيرا في أن تظهر مدينة الملك عبدالله شيئا من الاهتمام يعكس أهمية الأمر وضرورة الإسراع في تنفيذ هذا المشروع الحيوي. ولعل الاتفاق الذي أبرم هذا الأسبوع بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبين شركة الكهرباء يكون بادرة خير، بصرف النظر عن حجم المشروع المتواضع. فعلى الأقل إنه كسر الحاجز النفسي لدى شركة الكهرباء بقبولها شريكا مباشرا في توليد الطاقة الشمسية، وهي خطوة يعود فضلها إلى إدارتها الجديدة. ونأمل أن يكون ذلك بداية لعهد جديد مع الطاقة الشمسية، تكون فيه الشركة هي العمود الفقري. فالطاقة الشمسية مصدر مثالي لتغطية أوقات ذروة الطلب على التيار الكهربائي الذي يتوافق مع ذروة العطاء الشمسي. وهو ما سيوفر على الشركة مليارات من الدولارات لبناء محطات توليد يكون استغلالها لبضع ساعات في اليوم. ولذلك فلن نكون بحاجة إلى تخزين الطاقة الشمسية خلال السنوات العشر المقبلة، ما يجعل جدواها الاقتصادية مريحة جدا. ونحن في الواقع نتطلع إلى إنشاء مدينة متكاملة، أسوة بالمــــــدن الصناعيـــة القائمة، لتحتضن صناعة الطاقة الشمسية بكل مراحلها. ومما نسمع أن جميع المواد الخام اللازمة لمرافق الطاقة الشمسية متوافرة في بلادنا. وعملية التصنيع وإنشاء المرافق والتشغيل والصيانة لا تتطلب تقنيات عالية ولا مجهودا غير عادي. ولذلك فمن الممكن أن ندرب ونؤهل الشباب للقيام بجميع المتطلبات لهذه الصناعة. وتكون الطاقة الشمسية مصدر دخل مستقل عن الدخل البترولي، وهو ما كنا ولا نزال نحاول تحقيقه خلال العقود الماضية. الطاقة الشمسية ستكون في أول مراحلها رافدا مهما للبترول في بلادنا، كما هي الحال في كثير من الدول الأخرى. ومع مرور الوقت وتطور الصناعة قد تكون، بعد عقود، قابلة للتصدير، إذا استطعنا أن نمتلك الإرادة وحسن التخطيط. قالوا عن الطاقة الشمسية، دون علم ولا متابعة، إنها مكلفة. وكان جوابنا لفت النظر إلى العقد الذي تم التوقيع عليه الشهر الماضي بين "أكوا باور"، وهي شركة سعودية عالمية ومتميزة في مجال توليد الطاقة الشمسية والتحلية، وبين حكومة الإمارات بسعر يكاد يكون هو الأرخص على مستوى العالم. وذلك بتكلفة أقل من ستة سنتات أمريكية للكيلو واط/ ساعة. وهناك حديث عن أن السعر قد يهبط إلى خمسة سنتات للوحدة قبل نهاية السنة. ولو استعرضنا الشكل المرفق لتبين لنا أن السعر اليوم قد وصل إلى المستوى الذي كان متوقعا وصوله عام 2020. وهو إنجاز فريد ومكسب لنا جميعا. وبذلك تكون مشاريع الطاقة الشمسية حول العالم ليست بحاجة إلى دعم حكومي، كما كان سابقا. وقالوا عنهــا إن الرطـــــوبة والعوالق الترابية ستؤثر في كفاءة عطائها. وهو صحيح، إلى درجة ما. لكننا تعلمنا أن لكل مشكلة حلا. وقد بدأ مصنعو الألواح الزجاجية في إنتاج نوع من الزجاج لا تلصق به حبيبات الرمل. ونحن واثقون بأن البحوث العلمية والتجريبية ستعمل على تطوير هذه الصناعة، وتعمل على رفع كفاءة أدائها. وصناعة الطاقة الشمسية مجال واسع لإشراك استثمارات القطاع الخاص، بل هي فرصة ذهبية نرجو أن تنال الاهتمام الذي يتناسب مع مردودها الاقتصادي والوطني. ولكن قبل ذلك، نأمل أن تقوم الجهات المختصة بتقييم معادلة الأسعار التي تربط شركة الكهرباء بالمستثمرين المستقلين، مع مراعاة للمصلحة العامة. وأن تكون دراسة الموضوع مبنية على أسس اقتصادية سليمة بصرف النظر عن التخفيضات المحلية لأسعار الوقود. وهذا يتطلب أيضا تعديلا بسيطا في تعرفة بيع وحدة الكهرباء للمستهلك، من أجل ضمان هامش ربح مقبول للشركة.