تمكنت الروائية الهايتية يانيك لاهنس من انتزاع جائزة فيمينا 2014 عن روايتها «حمام القمر». تمنح جائزة فيمينا لعمل أدبي مكتوب باللغة الفرنسية شعرا أو نثرا. اللجنة تتكون حصريا من النساء. أنشئت الجائزة عام 1904 من طرف مجلة «الحياة السعيدة» التي توقفت الآن عن الصدور، لكن تقليد الجائزة استمر واكتشف تحفا أدبية، نذكر ــ على سبيل المثال ــ رواية الكاتبة الكاميرونية ليونورا ميانو عن كتابها (موسم الظل)، وتعتبر يانيك لاهينس المولودة سنة 1953 في «بور برانس»، من أهم الروائيين الهايتيين، نظرا لإشعاعها الأدبي الفرانكفوني والتزامها بقضايا إنسانية واجتماعية وثقافية. بعد ثلاثة أيام عاصفية، يكتشف بحار فتاة طرحها البحر على الشاطئ. يبدو أن الفتاة نجت بأعجوبة من ساعات عنيفة وخطرة. يرتفع صوت الغريقة خافتا، لكنه نابع من هوة سحيقة، ترجع صدى الماضي: «يجب في هذه الحكاية أن نعتبر من الرياح والملح والماء وليس فقط من الرجال والنساء» تسائل الفتاة سجل العائلة الذي يمتد من نهاية 1950 إلى نهاية 1980 مرتقية شجرة الأنساب المغروسة في قلب قرية هايتية بحرية تدعى «أنص الزرقاء». إنها رحلة شاملة نحو جذور عائلتين: آل لافلور «وآل ميسيدور» اللتين صدمتا بارتباط الفتى تيرتوليان ميسيدور بالفتاة أوملين دوريفال حفيدة لافلور. عاشت عائلة لافلور دائما في قرية «أنص الزرقاء» الهايتية، حيث تختلط الأرض بالبحر. كانت دائما تجمعهم بآل الميسيدور ــ الذين أصبحوا أسياد القرية ــ روابط قديمة ممزوجة ببغضاء دفينة أيضا. لكن لقاء تيرتيليان وأوملين سيعيد علاقتهما المتوترة ويضعها على المحك. ولكن في هذه الجزيرة المجتاحة بالأعاصير. السياسية أيضا، والشائعات المرعبة والموت لن تتأخر في الإعلان عن نفسها، فينسدل حجاب الظلام على قرية «أنص الزرقاء» ليغزو القرية صراع الإخوة الممزقة، والانتهازية السياسية.. حاولت الكاتبة أن تمزج بين الصراعات السياسية وبين الصراعات العائلية بلغة شاعرية مهجنة بلغة الكريول ذات الأصول الأفريقية الغينية متوقفة عند مراحل من أجيال تعاقبت على الجزيرة. وكلما تعمقنا في الزمن هاجر أفراد من العائلة. وهكذا تنثال المشاهد بديعة بجمال صاف، كالبحر اللازوردي الممتد على أطراف الجزيرة. منذ الصفحات الأولى لهذه الرواية اللامعة والملحمية ننبهر بقوة سحرها الأسود وأسراره التي لن تنكشف إلا في نهاية الكتاب. كلمات الكاتبة يانيك لاهنس قوية، وساحرة، تمنح الرواية جمالا عنيفا يشبه جمال جزر هايتي الموعودة بالفواجع الطبيعية. على امتداد 280 صفحة تتنافر وتتقاطع وتتلاحم ثلاثة أجيال من الفلاحين وعدد هائل من اللوحات المبهرة تمر بلمسة الكلمة الأنيقة والعبارة الرشيقة لكاتبة متمرسة منذ سنوات عديدة. يمثل جوهر الكتابة لدى يانيك لاهنس في تحدي الظلام والجهل والخرافة. تتحدث بطلة الرواية عن صراع دائم من أجل انتزاع الكلمات من الليل. الليل الذي يجثم على الكلمات التي تنتمي إلى الحب والعدالة. كلمات مستقاة من إشراقات النهار والحرية، نحس أثناء قراءة الرواية أننا نخرج من اختناق نحو أفق أرحب، حيث يمكننا أن نمسك بالكلمات المشرقة كالقمر. في «حمام القمر» تتفتق أحلام يقظة مشوشة. صور بالأبيض والأسود. وحيث تظهر فجأة تشابكات اجتماعية معقدة، لكنها بسيطة، فالكائنات رغم البغضاء، فهي تتعامل بنزعتها الفطرية المسالمة أحيانا والعدائية أحيانا أخرى. الكاتبة لا تحتاج إلى الصراخ لتعلن أن العدالة لا وجود لها في مجتمع فلاحي يعيش بين سندان أهوال الطبيعة ومطرقة المتسلطين والمستبدين. أحيانا يمتد الصمت بين كلمات شاعرية وأصوات بوليفونية تمزج لغة الأحياء بالأموات. ربما لهذا سنحب هذه الرواية الموشاة بلمعان المعاني البارق وقصف الأفكار الحارق. ولدت الكاتبة يانيك لاهنس في هايتي عام 22 ديسمبر 1953، رحلت صغيرة جدا إلى فرنسا حيث درست في فرنسا ونالت شهادة عليا من السربون.عند عودتها إلى هايتي، اشتغلت مدرسة في مدرسة المعلمين العليا حتى عام 1995. كتبت يانيك عددا كبيرا من المقالات حول فولكنر وماري شوفي والثقافة الهايتية ومشاكل الهجرة والفساد السياسي. روايتها الأولى كانت بعنوان «في بيت الأب» 2000، ثم تلتها برواية « لون الفجر» 2008، وبعدها رواية «غيوم ونتالي» التي صدرت عام 2013، وهذا العام جاءت الرواية المتوجة «حمام القمر» التي صدرت عن دار النشر الفرنسية سابين ويسبيسر. تعيش الكاتبة حاليا في بلدها بمدينة بور برانس، حيث تساهم في الحراك الثقافي والاجتماعي لبلدها. تحتل أعمالها الأدبية بين مقالة وقصة ورواية مكانة مرموقة ومتميزة إلى جانب أديبات هايتيات متألقات؛ مثل ماري شوفي وجان دومنيك ويانيك جان وبوليت بوجول أريول.