لندن: محمد البيشي حذر صندوق النقد الدولي من استمرار الفجوة الكبيرة بين توظيف الجنسين في قطاع الأعمال في الشرق الأوسط، بما فيها دول الخليج والعالم العربي، عند مستوياته العالية بالمقارنة مع بقية دول العالم، حيث تتراوح مابين 60 إلى 50 في المائة، بينما لا يتجاوز المعدل العالمي 14 في المائة، مشيرا إلى أن هذه الفجوة تحرم تلك الاقتصادات من عوائد تقترب من تريليوني دولار، وهي قيمة فرص تتيحها زيادة معدل مشاركة الإناث في القوة العاملة. وقال التقرير الصادر يوم الثلاثاء الماضي، تحت عنوان «آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، إنه ينبغي للبلدان المصدرة والمستوردة للنفط أن توفر فرص عمل جديدة، وتعيد ترتيب الأوضاع المالية، وتشرع في إجراء إصلاحات جريئة على وجه السرعة، تضمن خلق فرص عمل لكلا الجنسين خصوصا في قطاع الأعمال. ولفت الصندوق إلى أهمية عمل الدول المصدرة للنفط في المنطقة، وبالتحديد دول الخليج العربي على زيادة الإنتاجية، وحفز نمو القطاع الخاص، مع توقعات بعجز في فرص العمل في دول المنطقة يصل إلى مليون وظيفة بحلول عام 2018، مما يتطلب إصلاحات مكثفة لحفز نمو التوظيف في القطاعات الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي. وبيّن صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من التوقعات الإيجابية في تحقيق النمو، فإن هناك تحديات تلوح في الأفق، فبينما تحقق هذه الدول فائضا ماليا، إلا أن نصف هذه الدول، ومعظمها خارج دول مجلس التعاون الخليجي، لا يمكنها أن تحقق التوازن في ميزانياتها، كما أن هذه الميزانيات لا ترتكز على أي عوامل مساعدة تدعم الدول في الأزمات، بل على العكس، فإن مساهماتها محدودة، وقد ينتج عن ذلك انعكاسات سلبية. ولذا، فإن الحاجة تقتضي أن تركز السياسات على تعزيز الميزانيات من دون التأثير على النمو أو المساس بمبدأ المساواة وتحقيق العدالة. وأضاف التقرير: «تحتاج معظم الدول إلى وضع الأسس لنظامها المالي، والشروع، دون تأخير، في وضع جدول أعمال للإصلاحات الجذرية، التي تحفز القيام بالأعمال، وتضمن المساواة والإنصاف، للوصول إلى مستويات أعلى من النمو المستدام، وخلق فرص عمل على المدى المتوسط. ولا بد أن يتم تطبيق الإصلاحات بتسلسل، والتأكد من المحافظة على التماسك الاجتماعي، وتحقيق الاستقرار والتوازن في الاقتصاد الكلي وتحفيز النمو». وأوصى صندوق النقد الدولي صنّاع السياسات في منطقة الشرق الأوسط، بخلق الوظائف للمساعدة على استمرار التحولات الاجتماعية والسياسية، مشيرا إلى أنه، ومع تعطّل استثمارات القطاع الخاص، ينبغي أن تقوم الحكومات بدور أساسي في دعم النشاط الاقتصادي على المدى القصير، داعيا إلى تحويل الإنفاق من الدعم المعمم إلى الاستثمارات العامة، مما يمكن أن يساعد على تعزيز النمو، وإقامة شبكات أفضل للأمان الاجتماعي تعمل على حماية الفقراء. كما أوصى الصندوق دول المنطقة بالشروع في جدول أعمال جريء للإصلاحات الهيكلية، يتضمّن تحسين مناخ الأعمال، وإتاحة المزيد من فرص التمويل لتحقيق مستويات أعلى من النمو القابل للاستمرار، وخلق فرص العمل على المدى المتوسط. ونبّه التقرير إلى تراجع الأوضاع المالية العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى ذلك، وجد التقرير أن معظم البلدان المصدرة للنفط لا تدخر قدرا كافيا من إيراداتها النفطية الاستثنائية لصالح الأجيال المقبلة. وقد بدأت بعض البلدان في سحب دفعة التنشيط المالي هذا العام. ومن دون مزيد من التخفيضات المالية، ستبدأ حكومات المنطقة في السحب من مدخراتها بحلول عام 2016. وتشير التوقعات الواردة في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي للمنطقة إلى تراجع النمو إلى 2.25 في المائة هذا العام، وتحسّنه في العام 2014، مع تحسن الظروف العالمية وتعافي إنتاج النفط. وتواجه البلدان المصدرة للنفط في المنطقة؛ الجزائر والبحرين وإيران والعراق والكويت وليبيا وعمان وقطر والسعودية والإمارات واليمن، وفق التقرير، انخفاضا مؤقتا في النمو الكلي، نظرا إلى انقطاعات العرض المحلي وانخفاض الطلب العالمي، لكن التقرير يشير إلى مواصلة معظم البلدان تسجيل نمو قوي في القطاع غير النفطي. ويرى التقرير أن معظم البلدان المصدرة للنفط في المنطقة ستواصل نموها القوي في القطاع غير النفطي، بدعم من مستويات الإنفاق العام المرتفعة والتعافي التدريجي في نمو الائتمان الخاص، على الرغم من هبوط معدل النمو الإجمالي بسبب انقطاعات في عرض النفط المحلي وتراجع الطلب العالمي، مرجحا أن يؤدي انتعاش إنتاج النفط وزيادة قوة الاقتصاد غير النفطي إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي في عام 2014، حتى تعود إلى المستويات المسجلة في الماضي القريب. ويمكن أن يتسبب استمرار انخفاض أسعار النفط في إصابة معظم البلدان المصدرة للنفط في المنطقة بعجز مالي مع حلول عام 2014. وبينما تستطيع معظم دول مجلس التعاون الخليجي التعامل مع هبوط الإيرادات النفطية لفترة قصيرة أو بحجم طفيف، يشير التقرير إلى أن الحيّز المالي المتاح لها يزداد ضيقا يوما بعد يوم. ونصح التقرير البلدان المستوردة للنفط باتخاذ إجراءات معينة، حيث أدى اقتران عدم اليقين السياسي والضغوط الاجتماعية والصراع في سوريا إلى مزيد من التأخر في التعافي الاقتصادي، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن تحقق البلدان المستوردة للنفط نموا متوسطا لا يتجاوز 3 في المائة في 2013 - 2014، وهو أدنى بكثير من معدلات النمو الضرورية لتخفيض البطالة المزمنة وتحسين مستويات المعيشة. وقال الصندوق: «على مدار الثلاث سنوات الماضية، وتلبية للمطالب الاجتماعية المتنامية، وإزاء ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، زاد الإنفاق على الدعم والتوظيف في القطاع العام، ومدفوعات الأجور في معظم البلدان المستوردة للنفط، بينما هبطت الإيرادات بسبب الهبوط الاقتصادي»، وبالتالي، ارتفع العجز المالي في البلدان المستوردة للنفط، مسجلا نحو 10 في المائة من إجمالي الناتج في المتوسط، وبالإضافة إلى ذلك، ظلت الاحتياطيات الدولية منخفضة، بحسب ما ورد في التقرير. وتأتي تحذيرات صندوق النقد الدولي، بعد أن كانت كشفت تقارير منظمة العمل العربي الصادرة في أبريل (نيسان) 2013، أن انعكاسات الربيع العربي على أوضاع التشغيل والبطالة في العالم العربي كانت سلبية؛ فعلى مدى العامين الأخيرين، ارتفعت معدلات البطالة عربيا بنسبة 2 في المائة، وزاد عدد العاطلين العرب بواقع ثلاثة ملايين عاطل جديد، كما وصل عدد العاطلين العرب إلى 20 مليون عاطل، بمتوسط بطالة يتجاوز 16 في المائة، وهو أسوأ معدلات البطالة في العالم، مرجعة هذه الانتكاسة إلى تراجع معدلات السياحة والاستثمار المحلي والأجنبي وإغلاق أبواب كثير من المصانع بسبب انعدام الأمن والاستقرار، وتطالب منظمة العمل العربي بضرورة توفير ستة ملايين وظيفة جديدة حتى عام 2020، لاستيعاب الداخلين الجدد إلى أسواق العمل، وامتصاص جزء من معدلات البطالة الحالية.