مشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا غلطة تاريخية لا تغتفر قام بها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بغزوه لدولة الكويت في أغسطس 1992، ما فتح بوابة من التداعيات الخطيرة على العراق وعلى المنطقة برمتها منذ ذاك وحتى يومنا هذا. ورغم مرور 12 عاماً على سقوط نظام البعث، إلا أن العراق لا يزال يعيش في دوامة من العنف والدمار والقتل اليومي والانقسام، تطايرت شظاياها إلى خارج حدوده، ومهدت لتدخلات إيرانية سافرة في المنطقة وولادة نظام داعش الإرهابي. وعانت مدن العراق خلال الغزو الأميركي أضراراً جسيمة أصابت كل مناحي الحياة، لاسيما البنى التحتية والاقتصاد، وشهدت الأعوام التالية للغزو انقساماً طائفياً، وانقلبت المعادلة بحصول الشيعة على معظم الوزارات السيادية إلى جانب رئاسة الحكومة وسط اتهامات بتهميش السنّة، بينما بدأ الأكراد تحقيق طموحاتهم الانفصالية بالحصول على الحكم الذاتي بصلاحيات. تطرف ممنهج وشهد العام 2003 بدايات التنافس والتناحر بين تنظيم القاعدة وفصائل مسلحة أخرى، ومع تطور المعادلات لصالح القاعدة بدأ الفكر التكفيري المتشدد بالانتشار، وانفتحت بوابة الفوضى لاسيما بعد إطلاق سراح 32 ألف سجين بعفو عام قبيل وقوع حرب 2003، كما شكّل غياب أجهزة الدولة لاسيما الأمنية والعسكرية بيئة خصبة للتنظيمات المتطرفة وللبعثيين لإعادة صفوفهم واستقطاب مزيد من الشباب العاطلين عن العمل. ويقول الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إنه من المستحيل الفصل بين الوضع الحالي في العراق وبين الغزو الأميركي، لأن الأميركيين لم يكتفوا بالتدخل العسكري، بل وأقدموا على حل القوات المسلحة، التي كانت أداة صدام حسين في الحفاظ على النظام والقانون. ويمكن القول إن التطرف الممنهج في المنطقة انطلق على يد زعيم حركة التوحيد والجهاد أبرز قادة المنظمات الإرهابية الميدانيين أبو مصعب الزرقاوي، الذي أسس ونشر تنظيمه في العراق خلال زمن قياسي، وأعلن في أكتوبر 2004 مبايعته العلنية لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. شبح الطائفية وما إن تحسنت أحوال العراقيين بعد انتهاء الحصار، حتى بدأت أعمال القتل الطائفي والعنف التي وصلت أوجهاً في 2006 و2007 قبل أن تنحسر في 2009، إلا أن اندلاع الأزمة في سوريا المجاورة وتحول التظاهرات في بعض المدن السورية إلى عنف طائفي كان له أثر كبير على عودة شبح الطائفية إلى العراق. ويقول القائد السابق للقوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بتراوس: أدت إعادة إحياء تنظيم القاعدة في العراق، وهو التنظيم الذي كان على حافة الانهيار في أواخر حملة لعام 2008، إلى تنامٍ كبير في الإرهاب العرقي في بلاد ما بين النهرين. تدخلات إيرانية إلا أن أحد أهم تداعيات الغزو الأميركي للعراق أنه لم يؤدِ فقط إلى إسقاط نظام صدام حسين، بل أسقط الدولة العراقية ومؤسسات الحكم فيها لا سيما العسكرية بشكل كامل تقريباً، ما أعطى إيران فرصة واسعة للتدخل، لاسيما من بوابة الطائفية والميليشيات المسلحة. واستغلت إيران أخطاء نقل السلطة إلى العراقيين وانقسامهم وتوسع الطموح الكردي في الشمال، وبدأت بدعم الحكومات الشيعية المتتالية، وزاد نفوذها في المنطقة من بوابة العراق لاسيما بعد أن فتح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الباب على مصراعيه أمام طهران. يذكر أن الوجود الإيراني في العراق بدأ بحركة تجارية قدرت في 2013 بسبعة مليارات دولار سنوياً، ثم بشبكة من ضباط فيلق القدس الذين قدموا المساعدات المالية والطبية والاجتماعية لمن يطلبها، ووصل إلى بناء ميليشيات مؤيدة لطهران. لكن انسحاب القوات الأميركية أواخر 2011 فتح الطريق أمام بسط الإيرانيين سيطرتهم في العراق، وهو ما دفع بالأمور للانفجار، لاسيما من قِبل السنّة. المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.ايه) في 2006 - 2009 مايكل هايدن، تنبأ بتدهور الأوضاع في العراق، قائلاً إن السياسة الإيرانية قائمة على هيمنة الشيعة، ما يهدد بتأجيج الاستياء السنّي وإحياء داعش. خطر داعش لكن الخطر والهاجس الأكبر الذي تعيشه المنطقة اليوم من بوابة العراق هو تنظيم داعش الإرهابي، فبعد حلّ الجيش العراقي في 2003 بهدف اجتثاث البعث، انضم عدد كبير من الجنود العراقيين إلى الميليشيات المتمردة، حيث كان داعش يعرف باسم القاعدة في العراق، وكانت قمة نجاحاته في 2006، بسيطرته على أجزاء كبيرة من مناطق السنّة، وإعلان ما يسمى بـ الدولة الإسلامية في العراق، التي رد عليها العراقيون بتشكيل الصحوات، التي نجحت في هزيمة القاعدة. ومع وصول المالكي إلى سدة الحكم في 2006، وتفرده بالسلطة وتهميش السنّة بل واستخدام القوة ضدهم كما حدث في الحويجة في 2013، عاد بعض العراقيين إلى أحضان جماعات متطرفة منها القاعدة، التي بدأت تقاتل بشراسة وعنف ممنهج، ثم أعلنت نفسها باسم داعش وضمت سوريا إلى طموحها، وتمكن التنظيم بشكل مفاجئ ومثير للريبة من السيطرة على مساحات واسعة من العراق. وابتداءً من 2014، وتحت قيادة زعيمه أبو بكر البغدادي، حصل داعش على تأييد كبير في العراق، وبدأ يتمدد خارج حدوده لاسيما في المحافظات السورية الرقة وإدلب ودير الزور وحلب. المبعوث الأممي والعربي السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي يرى أن ازدياد نشاط داعش وتوسعته واحتلاله مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا هو نتيجة لغزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق، موضحاً أن أزمتي سوريا والعراق ازدادتا تعقيداً.