كما أحاط الغموض به حيًا، أحاط به ميتًا، إنه الملا محمد عمر، زعيم حركة طالبان الأفغانية. هل مات الرجل موعوكًا قبل سنتين في مستشفى ما بكراتشي؟ أم سقط قتيلاً على يد قوات حكومية، أم مات قبل بضعة أيام داخل معاقله في جنوب أفغانستان، إثر مرض؟ المهم أن الرجل اختفى من المشهد، لكن ما هي قيمة ملا أفغاني متوسط العلم، وزعيم ميليشيا دينية قبلية، حتى يهتم العالم بخبر موته؟ هناك أسباب تجعل من المهم فهم هذه الشخصية، دورها، ودور طالبان، من ذلك كون طالبان هي أول «دولة جهادية» حصلت على شبه اعتراف دولي، قبل قيام «دولة» داعش المنبوذة، حتى الآن. ومن الأسباب أن الملا عمر رفض التخلي عن «القاعدة» وأسامة بن لادن بعد مطاردة أميركا له، وشن غاراتها على طالبان في أفغانستان، بعد هجمات «القاعدة» على أميركا 2001. غير أن هناك سببًا أهم من هذا كله بتقديري، وهو المكانة الشرعية العابرة للحدود التي حازها هذا الملا، بوصفه «أمير المؤمنين» وهو اللقب الذي أطلقه على نفسه لاحقًا بعد تزعمه لحركة الطلبة، كما كان يفضل أسامة وصفها، لم يكن يقول طالبان، بل الطلبة. بيان شورى طالبان قال: إن الملا محمد عمر اشتد به المرض خلال آخر أسبوعين. وأعلن البيان تعيين الملا محمد أختر منصور أميرًا لحركة طالبان، ووصف الملا الجديد بـ«أمير المؤمنين». هناك أنباء تحدثت عن خلافات داخل الحركة، على خلفية التفاوض مع حكومة كابل، وأيضًا بسبب تمدد «داعش» بنسخته الأفغانية، وكان من مسوغات وجود «داعش» ببلاد الأفغان هو اختفاء الملا عمر مؤخرًا عن مخاطبة أتباعه، لدرجة دفعت بعض أبناء طالبان إلى مطالبة عمر بالظهور العلني في شريط فيديو مصور لإثبات أنه ما زال حيًا، أو أنهم سيبايعون «أبو بكر البغدادي» إن لم يستجب الملا عمر. كانت هناك أنباء تقول إن شورى الحركة سحبت لقب أمير المؤمنين عن خليفة عمر، لكن بيان الحركة حسم الأمر. هل يبقى هذا مجرد لقب شرفي محلي ليس له تأثير خارجي؟ هناك أكثر من شخص نازع العراقي إبراهيم عواد، أبو بكر البغدادي، لقب إمرة المؤمنين، مات أحدهم وهو الملا عمر، رغم أن عمر لم يكن مهتمًا كثيرًا بتسويق نفسه خارج الجغرافيا البشتونية، لكن كان مجرد وجوده وقيمته الرمزية لدى الجماعات الأصولية وهو لم يبايع البغدادي، يعد ثلمًا في جدار شرعية الخليفة الداعشي. من الضروري عدم الاستهانة بمثل هذه الألقاب والنعوت، فهي تترجم نفسها على الأرض جندًا وحشدًا وموتًا وحياة. القتال في أصله على المعاني والشرعيات، وما تحتها من صلاحيات وأدوار، ولقب مثل الخليفة أو أمير المؤمنين يعني الكثير من الحركات على الأرض، ولولا لقب الخليفة للبغدادي لما تمتع «داعش» بهذا الوهج لدى مرضى الأرض. من أجل ذلك كله كان واجبًا التأمل في الألقاب والملقبين. m.althaidy@asharqalawsat.com